في موضع الأظفار من يديه مخالب كمخالب السباع، فلما رأيناه اقشعرت جلودنا، ودنونا من النبي صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ: يا نبي الله ابعث معي من يدعو جماعة قومي إلى الاسلام، وأنا أرده إليك سالما إن شاء الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أيكم يقوم معه فيبلغ الجن عني، وله على الجنة؟ فما قام أحد، وقال الثانية وثالثة فما قام أحد، فقال علي: أنا يا رسول الله، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشيخ فقال: وافني إلى الحرة في هذه الليلة أبعث معك رجلا يفصل بحكمي وينطق بلساني، ويبلغ الجن عني.
قال سلمان: فغاب الشيخ وأقمنا يوما، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، وانصرف الناس من مسجده قال: يا سلمان سر معي، فخرجت معه وعلي بين يديه حتى أتيت الحرة، فإذا الشيخ على بعير كالشاة، وإذا بعير آخر على ارتفاع الفرس، فحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا، وحملني خلفه، وشد وسطي إلى وسطه بعمامة، وعصب عيني، وقال: يا سلمان، لا تفتحن عينيك حتى تسمع عليا يؤذن، ولا يرعك ما تسمع، فإنك آمن إن شاء الله، ثم أوصى عليا بما أحب أن يوصيه، ثم قال: سيروا ولا قوة إلا بالله.
فثار البعير، ثم دفع سائرا يدف كدفيف النعام وعلي يتلو القرآن، فسرنا ليلتنا حتى إذا طلع الفجر أذن علي وأناخ البعير، وقال: انزل يا سلمان، فحللت عيني ونزلت فإذا أرض قوراء لا ماء ولا شجر ولا عود ولا حجر، فلما بان الفجر أقام علي الصلاة، وتقدم وصلى بنا أنا والشيخ، ولا أزال أسمع الحس حتى إذا سلم علي التفت فإذا خلق عظيم لا يسمعهم إلا الخطيب الصيت الجهير، فأقام علي يسبح ربه حتى طلعت الشمس، ثم قام فيهم خطيبا فخطبهم، واعترضه منهم مردة، فأقبل علي عليهم فقال: أبالحق تكذبون، وعن القرآن تصدفون، وبآيات الله تجحدون؟
ثم رفع طرفه إلى السماء فقال: بالكلمة العظمى والأسماء الحسنى والعزائم الكبرى والحي القيوم محيي الموتى ورب الأرض والسماء، يا حرسة الجن ورصدة