مليا ثم رفع رأسه وقال: أبو من؟ قلت: أبو عبد الله. قال: ثبت الله كنيتك ووفقك يا أبا عبد الله. ما مسألتك؟ فقلت في نفسي: لو لم يكن لي في زيارته والتسليم عليه غير هذا الدعاء لكان كثيرا. وقبل أن أجيبه رفع رأسه وقال: ما مسألتك؟ قلت: سألت الله أن يعطف علي قلبك ويرزقني من علمك، وأرجو أن يكون الله تعالى أجابني في الشريف ما سألته.
فقال: يا أبا عبد الله ليس العلم بالتعلم، وإنما هو نور يقع في قلب من يريد الله تعالى أن يهديه. فإن أردت العلم فاطلب في نفسك أولا حقيقة العبودية. واطلب العلم باستعماله واستفهم الله يفهمك.
قلت: يا شريف. قال: قل: يا أبا عبد الله. قلت: يا أبا عبد الله، ما حقيقة العبودية؟
قال: ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوله الله ملكا، لأن العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال الله، يضعونه حيث أمرهم الله تعالى به ولا يدبر العبد لنفسه تدبيرا ويجعل اشتغاله فيما أمره الله تعالى به ونهاه عنه. فإذا لم ير العبد لنفسه فيما خوله الله ملكا هان عليه الإنفاق فيما أمره الله أن ينفق فيه، وإذا فوض العبد تدبير نفسه إلى مدبره هانت عليه مصائب الدنيا، وإذا اشتغل العبد بما أمره الله ونهاه لا يتفرغ منهما إلى المراء والمباهاة مع الناس. فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاثة هانت عليه الدنيا وإبليس والخلق، لا يطلب الدنيا تكاثرا وتفاخرا، ولا يطلب ما عند الناس عزا وعلوا، ولا يدع أيامه باطلا.
فهذا أول درجة التقى، قال الله تعالى (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين).
قلت: يا أبا عبد الله أوصني. قال: أوصيك بتسعة أشياء، فإنها وصيتي لمريدي الطريق إلى الله تعالى، أسأله أن يوفقك لاستعمالها، ثلاثة منها في رياضة النفس، وثلاثة منها في الحلم، وثلاثة منها في العلم، فاحفظها وإياك والتهاون بها.
قال عنوان: ففرغت قلبي له. فقال: أما اللواتي في الرياضة: فإياك أن تأكل ما