فمنهم الفاضل المعاصر محمد عبد الله الخطيب في " مفاهيم تربوية " (ج 2 ص 183 ط 2 دار النار الحديثة، مصر) قال:
ذهب الإمام جعفر إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما إن سمع الناس بمجيئه حتى هرعوا إليه ابتغاء التعلم والاقتداء. وكان فيمن ذهب إليه رجل مسن اسمه عنوان، من أولئك الرجال الذين يحيون لطلب المعرفة ومرضاة الله جل شأنه، وكان شيخا قد بلغ الرابعة والتسعين من عمره.
فنسمع إلى عنوان يقص علينا نبأه مع جعفر الصادق، قال: كنت أختلف إلى مالك ابن أنس سنين.
فلما قدم جعفر بن محمد الصادق، رضي الله عنهما، اختلفت إليه وأحببت أن آخذ عنه كما أخذت عن مالك. فقال لي يوما: إني رجل مطلوب، ومع ذلك لي أوراد آناء الليل وأطراف النهار، فلا تشغلني عن وردي، وخذ عن مالك واختلف إليه كما كنت تختلف.
فاغتممت من ذلك وخرجت من عنده وقلت لنفسي: لو تفرس في خيرا ما زجرني عن الاختلاف إليه والأخذ عنه.
فدخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلمت عليه. ثم رجعت من الغد إلى الروضة وصليت فيها ركعتين، وقلت: أسأل يا الله يا الله أن تعطف علي قلب جعفر وترزقني من علمه ما أهتدي به إلى صراطك المستقيم. ورجعت إلى داري مغتما ولم أختلف إلى مالك بن أنس لما أشرب قلبي من حب جعفر. فما خرجت من داري إلا للصلاة المكتوبة حتى عيل صبري. فلما ضاق صدري تنعلت وترديت وقصدت جعفرا، وكان بعد ما صليت العصر. فلما حضرت بباب داره استأذنت عليه، فخرج خادم له، فقال: ما حاجتك؟ فقلت: السلام على الشريف. فقال: هو قائم في مصلاه، فجلست بحذائه أنتظر. فما لبث إلا يسيرا حتى خرج فقال: أدخل على بركة الله، فدخلت وسلمت عليه، فرد علي السلام وقال: اجلس، غفر الله لك. فجلست، فأطرق