شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٢٨ - الصفحة ١٦٣
في كفه خيزران.. البيت يغضي حياء.. البيت ترى رؤوس بني مروان خاضعة * يمشون حول ركابيه وما ظلموا إن هش هشوا له واستبشروا جذلا * وإن هم أنسوا إعراضه وجموا كلتا يديه ربيع غير ذي خلف * فتلك بحر وهذي عارض هزم ومن الناس من يقول: إن الحزين قالها في عبد العزيز بن مروان لذكره دمشقالشام ومصر، وقد كان عبد الله بن عبد الملك أيضا ولي مصر والحزين بها، حدثني الجرمي، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثني محمد بن يحيى أبو غسان عن عبد العزيز بن عمران الزهري قال: وفد الحزين على عبد الله بن عبد الملك وهو عامل مصر فأتي برقيق من البربر والحزين عنده، وفي الرقيق أخوان، فقال عبد الله للحزين: أي الرقيق أعجب إليك؟ قال: ليختر لي الأمير، فقال عبد الله للحزين: قد رضيت لك هذا، لأحدهما، فإني رأيته حسن الصلاة، فقال الحزين:
لا حاجة لي به، فأعطني أخاه، فأعطاه إياه، فقال يمدحه:
الله يعلم أن قد جئت ذا يمن وذكر القصيدة بطولها، هذا آخر ما رواه صاحب " الأغاني ".
قال العيني: ورأيت في كتاب " أولاد السراري " تأليف المبرد نسبة بعض هذه الأبيات إلى أبي دهبل حيث قال: ومما نمي لنا عنه، أي: عن زين العابدين أنه مر بمساكين جلوس في الشمس يأكلون على مسح، فسلم عليهم، فردوا عليه، وقالوا: هلم يا بن رسول الله، فنزل، وقال: الله لا يحب المتكبرين، فأصاب معهم، ثم قال: قد دعوتم فأجبنا، ونحن ندعوكم، فمضوا معه إلى منزله، فأطعمهم طعامه، وقسم بينهم كل ما كان عنده، وفيه يقول أبو دهبل - فيما روي - هذه الأبيات:
هذا الذي تعرف البطحاء.. البيت هذا ابن خير عباد الله.. البيت إذا رأته قريش.. البيت فأما ما يزاد في هذا الشعر بعد هذه الأبيات، فليس منها، إنما هو لداود بن سلم يقوله في قثم ابن العباس بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، رضي الله عنهم:
يغضي حياء.. البيت في كفه خيزران.. البيت كم صارخ بك من راج وراجية.. البيت انتهى.
وقد طال الكلام في ذكر ما يتعلق بها من الخلاف في بعض أبياتها، ومن هنا نشرع في غريبها. قوله: يكاد يمسكه عرفان راحته، قال أبو علي في " المسائل البصرية ": ينبغي أن يجعل عرفان مفعولا له، وركن الحطيم: فاعل " يمسك "، وتضيف المصدر إلى المفعول، وتحذف الفاعل، أي: عرفان الركن راحته، كما حذف في * (بسؤال نعجتك) (ص / 24) وهذا أوضح في المعنى، وإن شئت قلت: يمسكه عرفان راحته ركن، فجعلت العرفان فاعل يمسك، وأضفت المصدر إلى الفاعل وهو الراحة، ونصبت الركن مفعولا به، كأنه يمسكه هذا المعنى لا الركن، أي: هذا المعنى كاد يلبثه في هذا الموضع، ويجعله أحق به من غيره، وهذا يحسن إذا كان أكثر لمس الركن بيده، أي: فصار لكثرة ذلك منه عرفت راحته الركن، فنسبت المعرفة إلى الكف، وإن لم يكن لها في الحقيقة إنما هو للانسان، ويجوز عرفان راحته ركن، يكون العرفان فاعل يمسك، وراحته مفعوله، والركن فاعل العرفان، أي: يكاد يمسكه أن عرف الركن. وهذا الوجه أقرب إلى الوجه الأول، وأشبه بالمعنى من الوجه الثاني. إنتهى.
قوله: هذا الذي تعرف البطحاء، هي أرض مكة المنبطحة، وكذلك الأبطح، وبيوت مكة التي هي للأشراف بالأبطح التي هي في الروابي، والجبال للغرباء وأوساط الناس، والحطيم:
الجدار الذي عليه ميزاب الرحمة. وقوله: يغضي حياء.. الخ، قال ابن عبد ربه في أول " العقد الفريد ": قال ابن قتيبة: لم يقل في الهيبة مع التواضع بيت أبدع من قول الشاعر في بعض خلفاء بني أمية:
يغضي حياء ويغضى من مهابته.. البيت وأحسن منه عندي قولي:
فتى زاده عز المهابة ذلة * وكل عزيز عنده متواضع انتهى. وأقول: بل هجنه قوله: " ذلة " وقوله: ينمى إلى ذروة الخ. بالبناء للمفعول من نميته إلى أبيه. أي: نسبته، وانتمى: انتسب، وذروة الشئ: أعلاه، وقوله: في كفه خيزران.. الخ. قال الجاحظ في كتاب " البيان ": كانت العرب تخطب بالمخاصر، وتعتمد على الأرض بالقسي، وتشير بالعصا والقنا، حتى كانت المخاصر لا تفارق أيدي الملوك في مجالسها، ولذلك قال:
في كفه خيزران.. البيت، وعبق: وصف من عبق به الطيب كفرح: إذا لزق به. قال أبو بكر الزبيدي في كتاب " لحن العامة ": العرب تسمي كل قضيب لدن ناعم خيزرانا، بضم الزاي، وذكر بعض اللغويين أنه ليس من نبات أرض العرب. إنتهى. والأروع: الذي يروعك جماله وجلاله، والعرنين من كل شئ: أوله، ومنه عرنين الأنف لأوله، وهو ما تحت مجتمع الحاجبين، وهو موضع الشمم، وهو ارتفاع الأنف، وشممه كناية عن العزة، وقوله:
كالشمس الخ. انجابت السحابة: انكشف، والعتم بفتح العين المهملة والمثناة: ظلمة الليل، والخيم بكسر الخاء المعجمة: السجية، والبوادر جمع بادرة: وهي الحدة والغضب من قول أو فعل، والخلة بالفتح: كالخصلة وزنا ومعنى، ويسترب بمعنى يرب، يقال: رب زيد الأمر ربا من باب نصر: إذا ساسه، وقام بتدبيره، والأزمة: الشدة، وأزمت: اشتدت، والشرى:
طريق في سلمى كثيرة الأسد، وجبل بتهامة كثير السباع، وتحتدم بالدال المهملة: تلتهب، شبه البأس والحرب بالنار، وتستوكفان: تمطران، وعدم بفتحتين: قلة وفقر، ويعروهما: يحدث لهما، وفدحوا بالبناء للمفعول من فدحه الدين: إذا أثقله وأعجزه، والنقيبة: النفس، والفناء بالمد والكسر: ساحة الدار توسع للأضياف، والأريب: البصير بالشئ، ويعتزم: يهم بالشئ، ويعزم عليه، والعنانة، بفتح العين المهملة بعدها نونان بينهما ألف: السحابة، والاملاق: الفقر، والظلم: جمع ظلمة، وهضم بضمتين جمع هضوم، وهي اليد التي تجود بما لديها، وقوله: كانت لاؤه نعم، مدلا، لأنه أراد الاسم، ونصبها على الخبر لكان.