شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٢٨ - الصفحة ١٦٣
فقال الفرزدق وكان لذلك حاضرا: لكني أعرفه، وذكر الأبيات، وهي أكثر مما رويناه، وإنما تركناها لأنها معروفة، فغضب هشام، وأمر بحبس الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة، فبلغ ذلك علي بن الحسين رضي الله عنه، فبعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم، وقال: اعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من هذا لوصلناك، فردها الفرزدق، وقال: يا بن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله، وما كنت لأرزأك عليه شيئا، فردها إليه وأقسم عليه في قبولها، وقال له: قد رأى الله مكانك، وعلم نيتك، وشكر لك، ونحن أهل بيت إذا أنفذنا شيئا لم نرجع فيه، فقبلها، وجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس، فمما هجاه به قوله:
تحبسني بين المدينة والتي * إليها رقاب الناس يهوي منيبها يقلب رأسا لم يكن رأس سيد * وعينا له حولاء باد عيوبها هذا آخر ما رواه المرتضى رضي الله تعالى عنه، وكذا أورد القصة وهذه الأبيات إبراهيم الحصري في " زهر الآداب "، وقد أورد السيوطي القصيدة برواية ابن عائشة من طريق ابن عساكر، والقصة كقصة الغلابي، وألفاظها سواء، وهي هذه:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *.. البيت هذا علي رسول الله والده * أمست بنور هداه تهتدي الأمم هذا ابن خير عباد الله كلهم.. البيت إذا رأته قريش قال قائلها.. البيت ينمى إلى ذروة العز التي قصرت * عن نيلها عرب الاسلام والعجم يكاد يمسكه عرفان راحته.. البيت في كفه خيزران ريحه عبق * من كف أروع في عرنينه شمم يغضي حياء ويغضى من مهابته.. البيت من جده دان فضل الأنبياء له * وفضل أمته دانت له الأمم ينشق نور الهدى عن حسن غرته * كالشمس ينجاب عن إشراقها العتم مشتقة من رسول الله نبعته * طابت عناصره والخيم والشيم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا الله شرفه قدما وفضله * جرى بذاك له في لوحه القلم سهل الخليقة لا تخشى بوادره * يزينه خلتان الخلق والكرم من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم مقدم بعد ذكر الله ذكرهم * في كل بدء ومختوم به الكلم يستدفع السوء والبلوى بحبهم * ويسترب به الاحسان والنعم إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير خلق الله قيل هم لا يستطيع جواد بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وإن كرموا هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت * والأسد أسد الشرى والبأس يحتدم لا يقبض العسر بسطا من أكفهم * سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا من يعرف الله يعرف أولية ذا * الدين من جد هذا ناله الأمم إن تنكروه فإن الله يعرفه * والعرش يعرفه واللوح والقلم وليس قولك من هذا بضائره * العرب تعرف من أنكرت والعجم هذا آخر ما أخرجه ابن عساكر من رواية ابن عائشة، وقد أوردها العيني أيضا في باب النائب عن الفاعل، وفيها أبيات غير مذكورة فيما تقدم وهي:
كلتا يديه غياث عم نفعهما * تستوكفان ولا يعروهما عدم حمال أثقال أقوام إذا فدحوا * حلو الشمائل يحلو عنده نعم لا يخلف الوعد ميمون نقيبته * رحب الفناء أريب حين يعتزم عم البرية بالاحسان فانقشعت * عنها العنانة والاملاق والعدم يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم * خيم كريم وأيد بالندى هضم وفيها من رواية أخرى:
ما قال لاقط إلا في تشهده * لولا التشهد كانت لاءه نعم من ذا يقاس بهذا في مفاخرة * إذا بنو هاشم في ذلك اختصموا وقد أوردها أيضا محمد بن المبارك بن محمد بن ميمون في " منتهى الطلب من أشعار العرب " وذكر قصتها كما تقدم. وقال: رواها لي أبو معمر الأنصاري، رحمه الله تعالى، متصلة الإسناد إلى الفرزدق، وشذ عني إسنادها وهي:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحجر والحرم هذا علي رسول الله والده * أمست بنور هداه تهتدي الأمم هذا الذي عمه الطيار جعفر * والمقتول حمزة ليث حبه قسم هذا ابن فاطمة الغراء ويحكم * وابن الوصي الذي في سيفه النقم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله.. البيت هذا ابن خير عباد الله كلهم.. البيت وبعد، هذا ما رواه ابن عائشة. ورواه أيضا علي بن أبي الفرج بن الحسن البصري الأصل الواسطي بلدا في " الحماسة البصرية " كرواية ابن عائشة وفيها:
لو يعلم البيت من قد جاء يلثمه * لظل يلثم منه ما وطي القدم ما قال لاقط إلا في تشهده.. البيت وقد اختلف في بعض أبيات هذه القصيدة، فنسب إلى غير الفرزدق في مدح زين العابدين أيضا، وقيل في غيره، ففي " الحماسة " لأبي تمام: وقال الحزين الليثي في علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته.. البيت إذا رأته قريش قال قائلها.. البيت يكاد يمسكه عرفان راحته.. البيت أي القبائل ليست في رقابهم.. البيت بكفه خيزران ريحها عبق.. البيت يغضي حياء ويغضى من مهابته.. البيت وأورد هذه الأبيات فقط الأعلم في " حماسته " وقال الحزين الليثي في علي بن الحسين رضي الله عنهما، ويقال: قالها في عبد الله بن عبد الملك بن مروان، وكان حسن الوجه والمذهب، ويقال: إن بعض هذه القصيدة للفرزدق في علي بن الحسين، وبعضها لجرير، وبعضها لداود بن سلم يمدح قثم بن العباس، ويقال: هي لكثير السهمي يمدح عبد الملك بن مروان. إنتهى. وكثير بالتصغير كدريهم، وقال الآمدي في " المؤتلف والمختلف ": ومنهم كثير بن كثير السهمي، أنشد له دعبل بن علي في كتابه في محمد بن علي بن الحسين بن علي رضوان الله عليهم أجمعين:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته.. البيت هذا ابن خير عباد الله كلهم.. البيت إذا رأته قريش قال قائلها.. البيت يكاد يمسكه عرفان راحته.. البيت قال الآمدي أيضا في ترجمة الحزين: منهم الحزين الكناني، واسمه عمرو بن عبد وهيب