وحلوا بدار لا تزاور بينهم * وأنى لسكان القبور تزاور فما إن ترى إلا جثى قد ثووا بها * مسطحة تسفي عليها الأعاصر كم من ذي منعة وسلطان، وجنود وأعوان، تمكن من دنياه، ونال فيها ما تمناه، وبنى القصور والدساكر، وجمع الأعلاق والذخائر.
فما صرفت كف المنية إذ أتت * مبادرة تهوي إليه الذخائر ولا دفعت عنه الحصون التي بنى * وحف بها أنهاره والدساكر ولا قارعت عنه المنية حيلة * ولا طمعت في الذب عنه العساكر أتاه من الله ما لا يرد، ونزل به من قضائه ما لا يصد، فتعالى الله الملك الجبار المتكبر القهار، قاصم الجبارين ومبير المتكبرين.
مليك عزيز لا يرد قضاؤه * حكيم عليم نافذ الأمر قاهر عنا كل ذي عز لعزة وجهه * فكل عزيز للمهيمن صاغر لقد خضعت واستسلمت وتضاءلت * لعزة ذي العرش الملوك الجبابر فالبدار البدار، والحذار الحذار من الدنيا ومكائدها، وما نصبت لك من مصائدها، وتحلت لك من زينتها، وأظهرت لك من بهجتها.
وفي دون ما عانيت من فجعاتها * إلى رفضها داع، وبالزهد آمر فجد ولا تغفل فعيشك زائل * وأنت إلى دار الإقامة صائر ولا تطلب الدنيا فإن طلابها * وإن نلت منها غبة لك صائر وهل يحرص عليها لبيب؟ أو يسر بها أريب؟ وهو على ثقة من فنائها، وغير طامع في بقائها؟ أم كيف تنام عينا من يخشى البيات؟ وتسكن نفس من يتوقع الممات؟
ألا لا ولكنا نغر نفوسنا * وتشغلنا اللذات عما نحاذر وكيف يلذ العيش من هو موقن * بموقف عدل يوم تبلى السرائر كأنا نرى أن لا نشور أو أننا * سدى ما لنا بعد الممات مصائر وما عسى أن ينال صاحب الدنيا من لذتها، ويتمتع به من بهجتها، مع صنوف