ومن حقائقه: صاحب الدين قد فكر فعلته السكينة، وسكن فتواضع، وقنع فاستغنى، ورضي فلم يهتم، وخلع الدنيا فنجى من الشرور، ورفض الشهوات فصار حرا، وانفرد فكفي الأحزان، وأطرح الحسد وظهرت له المحبة، وسخت نفسه بكل فاستكمل العقل، وأبصر العاقبة فأمن من الندامة، فلم يخف الناس ولم يخففهم ولم يذنب إليهم فسلم منهم.
وقال أيضا:
ومن حكمه: ليس من شهوات الدنيا ولذاتها شئ إلا وهو متحول أذى ومورث حزنا، فالدنيا كالماء المالح ما يزداد صاحبه منه شربا إلا ازداد عطشا، وكأحلام النائم تفرحه في منامه فإذا استيقظ انقطع الفرح، وكالبرق يضئ قليلا ويذهب وشيكا ويبقى صاحبه في الظلام مقيما، وكدودة الإبريسم التي لا تزداد على نفسها لفا إلا ازدادت من الخروج بعدا.
وقال أيضا:
ومن حكمه البالغة: العاقل حقيق بأن زهده في الدنيا علمه بأنه من نال منها كثر عناؤه فيه وحباله عليه واشتدت مرزيته عند فراقه وعظمت التبعة منه بعد فراقه، وعلى العاقل أن يديم ذكره لما بعد هذه الدار، وأن ينسبه إلى ما يسره منها ويستحي من مشاركة العجزة الجهال في حب هذه العاجلة الفانية التي من كان في يده شئ منها فليس له وليس بباق معه، فليس بمنخدع بها إلا المغترون والغافلون، ولا يتخذ عن العاقل بصحبته الاخلاء ولا الأحباء، ولا يحرص على ذلك كل الحريص، فإن صحبتم على ما فيها من السرور كثيرة الأذى والأحزان، ثم يختم ذلك كله بعاقبة الفراق.
وقال أيضا: