واعلم يا معاوية أن الله سبحانه وتعالى جعل الدنيا لما بعدها، وابتلى فيها أهلها ليعلم أيهم أحسن عملا، ولسنا للدنيا خلقنا ولا للاشتغال بها أمرنا، وإنما وضعنا فيها لنبتلى بها، وقد ابتلاني بك - وابتلاك بي، وجعل أحدنا حجة على الآخر، فعدوت على طلب الدنيا وطلبت ما ليس لك بحق ولا لأهلك، فأحببت الألفة والاصلاح وإطفاء النائرة وجمع الكلمة على شروط شرطها عليك، فاتق الله في نفسك ونازع الشيطان قيادك واصرف إلى الآخرة وجهك، فهي طريقنا وطريقك، واحذر أن تخالف ما شرطته عليك فيصيبك منه بعاجل قارعة تمس الأصل وتقطع الدابر، فإني أولى بالله غير فاجرة، لأن خالفت المشروط عليك لا جمعتني وإياك جوامع الأقدار حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
وأنا أسأل الله بسعة رحمته وعظيم قدرته على إعطاء كل رغبة أو يوفقني وإياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه وإلى خلقه مع حسن الثناء في العباد وجميل الأثر في البلاد وتمام النعمة وتضعيف الكرامة، وأن يختم لنا بالسعادة والشهادة، إنا لله راغبون والسلام على جدي رسول الله وآله الطيبين وسلم كثيرا.
وقد ذكر بعض خطبه عليه السلام الفاضل المعاصر الدكتور محمد ماهر حمادة في كتابه (الوثائق السياسية والإدارية العائدة للعصر الأموي) (ص 36 ط مؤسسة الرسالة - بيروت) قال:
إن الحسن بن علي خطب بعد قتل أبيه وقال:
أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد صلى الله عليه وسلم، أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلى الله عز وجل بإذنه.
وقال أيضا في ص 76: قال الحسن بن علي:
لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل ولا يدركه الآخرون بعمل.