شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٢٦ - الصفحة ٣٢٩
في بيئة من أرقى البيئات وأشرفها وقد سمعا الحديث. وكان عليه الصلاة والسلام يحبهما ويرعاهما ويعلمهما.
روى الحسن أحاديث حفظها عن النبي صلى الله عليه وسلم منها في السنن الأربعة، قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر، الحديث.
ومنها عن أبي الحوراء قلت للحسن: ما تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال:
أخذت تمرة من تمر الصدقة فتركتها في فمي فنزعها بلعابها، الحديث.
وفي الحديث: هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما.
ومن رعاية رسول الله لهما أنه بينما كان يخطب إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، الحديث.
ومن رعاية رسول الله لهما أنه بينما كان يخطب إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، الحديث.
وكان رسول الله يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فإذا قضى الصلاة وضعهما في حجره فقال (من أحبني فليحب هذين).
ودخل علي وفاطمة ومعهما الحسن والحسين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعهما في حجره فقبلهما واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة بالأخرى فجعل عليهم خميصة سوداء (كساء) فقال: (اللهم إليك لا إلى النار).
وفي البخاري عن أبي بكرة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي معه وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة ويقول: إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين، قال: فلما ولي لم يهرق في خلافته محجمة من دم.
ولا شك أن الحسن والحسين ورثا عن جدهما وأبيهما فصاحة اللسان وقوة الجنان وحضور البديهة والكرم والحلم وقد تعلما القرآن والتفسير من علي رضي الله عنه وأهل بيته وكبار الصحابة وتلقيا الحديث وكان علي يقول الشعر وينطق بالحكمة وكذلك نشأة ولداه رضي الله عنهما.
قصة الحسن واليهودي الفقير:
اغتسل الحسن رضي الله عنه وخرج من داره في بعض الأيام وعليه حلة فاخرة ووفرة ظاهرة ومحاسن سافرة، فعرض له في طريقه شخص من محاويج اليهود وعليه مسح من جلود، قد أنهكته العلة، وركبته القلة والذلة، وشمس الظهيرة قد شوت شواه وهو حامل جرة ماء على قفاه. فاستوقف الحسن رضي الله عنه وقال: يا ابن رسول الله! سؤال، قال: ما هو؟ قال: جدك يقول: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) وأنت مؤمن وأنا كافر. فما أرى الدنيا إلا جنة لك تتنعم بها، وما أراها إلا سجنا علي قد أهلكني ضرها وأجهدني فقرها.
فلما سمع الحسن كلامه قال له:
(يا هذا، لو نظرت إلى ما أعد الله لي في الآخرة لعلمت أني في هذه الحالة بالنسبة إلى تلك في سجن. ولو نظرت إلى ما أعد الله لك في الآخرة من العذاب الأليم لرأيت أنك الآن في جنة واسعة).
عرف اليهود منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدس وابتكار الأكاذيب والترهات وتشكيك المسلمين في عقائدهم. وقد حاربهم الرسول في المدينة وأجلاهم عنها لخيانتهم ونقضهم العهود والمواثيق. وقد أسلم بعضهم عن عقيدة صحيحة لكن بقي أكثرهم حانقا على المسلمين. وكان رئيس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول وقد مضى ذكره في سيرة الرسول. وهذا هو عبد الله بن سبأ الذي صار يتنقل في البلدان ويبث الدعاية ضد عثمان بن عفان رضي الله عنه ويحض على الثورة. وفي هذه القصة التي ذكرناها هنا نجد أن هذا اليهودي يعترض على الحسن لما رآه يرتدي ملابس فاخرة ويذكر له حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) فكيف يتنعم الحسن في الدنيا وهو مؤمن ويشقى اليهودي وهو كافر؟ ولماذا لا يكون حالهما بالعكس إذا كان حديث رسول الله صلى الله صادقا؟ سؤال يريد به إحراج الحسن من جهة وتشكيكه في حديث رسول الله من جهة أخرى. لكن الحسن رضي الله عنه كان حاضر البديهة. فأجاب بجواب مقنع مفحم حيث أوضح له أن حالته التي يشكو منها إنما هي كالجنة بالنسبة إلى عذاب الآخرة الذي أعد للكافرين وأن حالة الحسن التي ظنها نعيما إنما هي كالسجن بالنسبة إلى نعيم الجنة الذي أعد المتقين.
قال ابن سيرين: تزوج الحسن امرأة فبعث إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم ولا ريب أن كثرة الزواج والطلاق تحتاج إلى كثرة الانفاق.
قال سفيان بن عيينة: كثرة النساء ليست من الدنيا. وأنكر بعض الناس حال الصوفية فقال له بعض ذوي الدين: ما الذي تنكر منهم؟ قال: يأكلون كثير. قال: وأنت أيضا لو جعت كما يجوعون لأكلت كما يأكلون. قال ينكحون.
كثيرا. قال: وأنت أيضا لو حفظت عينيك وفرجك كما يحفظون لنكحت كما ينكحون.
وجه الحسن ذات يوم بعض أصحابه لطلاق امرأتين من نسائه وقال لهما: اعتدا وأمره أن يدفع إلى كل واحدة منهما عشرة آلاف درهم. ففعل. فلما رجع إليه، قال: ماذا فعلت؟ قال:
أما إحداهما فنكست رأسها وتنكست، وأما الأخرى فبكت وانتحب وسمعتها تقول: (متاع قليل من حبيب مفارق).
فأطرق الحسن وترحم لها. وقال: لو كنت مراجعا امرأة بعد ما فارقتها لراجعتها.
ودخل الحسن ذات يوم على عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقيه المدينة ورئيسها ولم يكن له بالمدينة نظير وبه ظربت المثل عائشة رضي الله عنها حيث قالت: (لو لم أسر مسيري ذلك لكان أحب إلي من أن يكون لي ستة عشر ذكرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) فدخل عليه الحسن في بيته فعظمه عبد الرحمن وأجلسه في مجلسه. وقال: ألا أرسلت إلي فكنت أجيئك؟ فقال: الحاجة لنا. قال: وما هي؟ قال:
جئتك خاطبا ابنتك. فأطرق عبد الرحمن ثم رفع رأسه وقال: والله ما على وجه الأرض أحد يمشي عليها أعز علي منك، ولكنك تعلم أن ابنتي بضعة مني يسوءني ما ساءها ويسرني ما سرها وأنت مطلاق فأخاف أن تطلقها، وإن فعلت خشيت أن يتغير قلبي عليك فأنت بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن شرطت أن لا تطلقها زوجتك. فسكت الحسن وقام وخرج.
وقال أهل بيته سمعناه وهو يمشي ويقول: ما أراد عبد الرحمن إلا أن يجعل ابنته طوقا في عنقي.
وليس لكثرة زواج الحسن علاقة بتسليم الأمر لمعاوية كما وهم المستشرقون فإن توليه الخلافة كان يسهل له كثرة الزواج والطلاق، والاسلام يبيح له أن يتخذ من الرقيق ما شاء.
هذا وفي التاريخ ملوك كانوا يتخذون كثيرا من الجواري والمحظيات ومع ذلك لم يكن ذلك سببا في تخليهم عن الملك وشاغلا لهم عن الحكم. بل روى لنا التاريخ أن من ملوك الإفرنج الذين لا يبيح لهم دينهم تعدد الزوجات من اتخذ محظيات لا عدد لهن.
وقال الفاضل المعاصر الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري المولود بها 1296 والمتوفى بها أيضا 1372 في (أحسن القصص) (ج 4 ص 198 ط دار الكتب العلمية في بيروت) نسبه الشريف: هو الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وأمه السيدة البتول سيدة النساء فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أشرف نسب.
مولده: ولد الحسن رضي الله عنه بالمدينة المنورة في منتصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وهو أول أولاد الإمام علي رضي الله عنهما، والسيدة فاطمة سيدة نساء العالمين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلملأسماء بنت عميسوأم سلمة رضي الله عنهما:
احضرا فاطمة فإذا وقع ولدها واستهل صارخا فأذنا في أذنه اليمنى، وأقيما في أذنه اليسرى، فإنه لا يفعل ذلك بمثله إلا عصم من الشيطان، ولا تحدثا شيئا حتى آتيكما.
فلما ولدت السيدة فاطمة فعلتا ما أمرهما به الرسول عليه الصلاة والسلام، وأتى الرسول فسره ولبأه بريقه وقال: اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم.
ولما كان اليوم السابع من مولده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سميتموه؟ قالوا:
حربا (لميل العرب إلى الشجاعة) قال: بل سموه حسنا. وقال: يا فاطمة احلقي رأسه، وتصدقي بزنة شعره فضة، فوزناه فكان وزنه درهما أو بعض درهم، ثم طلى رأسه بيده المباركة وختمه صلى الله عليه وسلم.
وقد أرضعته (أم الفضل) امرأة العباس بن عبد المطلب.