دليل العقل * على المجتهد أن يستخرج أحكامه - قبل كل شئ - من أحد الأدلة الثلاثة:
الكتاب، والسنة، والاجماع، فمع وجود واحد منها لا يبقي مجال لدليل العقل، وإذا فقدت جميعها لجا الفقيه إلى الدليل الرابع.
وكان هذا الدليل في الصدر الأول " فكرة المصلحة " (1) التي تختلف باختلاف الأنظار والآراء، فلم يكن الأصحاب يعرفون القياس، والبراءة، والاستصحاب، وما إلى لك من الأصول التي عرفت بعد عصر الصحابة، فكان الصحابي إذا عرضت له مسألة اجتهد برأيه على أساس المصلحة روح الإسلام غير مقيد بضابط، أو قاعدة معينة، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها هذه الفتوى للخليفة الثاني عمر بن الخطاب:
روى مالك أن الضحاك بن قيس ساق خليجا له، فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة فأبي فقال له: تمنعني، وهو لك منفعة! تسقي منه ولا يضرك، فأبى محمد، فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب، فأمر عمر محمدا أن يخلي سبيله، فقال محمد: لا. قال له عمر: لا تمنع أخاك ما ينفعه ولا يضرك.
فقال محمد: لا. فقال له عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك (2).
وبعد عصر الصحابة تركز الاجتهاد على أصول خاصة، وقواعد معينة، وقد اختلفت كلمة المذاهب الإسلامية في تعيين الدليل الرابع.