نكتفي بهذه الإشارة إلى أقوال المذاهب تاركين التفصيل في بيان الشروط والأقسام، والمقارنة، لأن المقام لا يتسع للمزيد، فقد وضع علماء الأصول من السنة والشيعة في هذا الدليل كتبا ضخمة مستقلة، على أن غرضنا ينحصر هنا في التعريف بالدليل الرابع فحسب، لنثبت أنه من أبرز مظاهر الاجتهاد، ولهذا سمي بالدليل الاجتهادي وقد وجد علماء الشيعة فيه ميدانا فسيحا لاجتهادهم، فأحدث المتأخرون قواعد فقهية جديدة، وعدلوا كثيرا من القواعد القديمة، فنفوا أحكاما أثبتها المتقدمون، وأثبتوا أحكاما لم يعرفها أحد ممن سبقهم، قلموا وطعموا جميع أبواب الفقه من العبادات والمعاملات فمن القواعد التي اكتشفوها من عهد قريب:
قاعدة مجهول التاريخ (1) والأصل المثبت وقاعدة اليقين، والشبهة المصداقية (2)، وما إلى ذلك مما يصدق عليه بحق أنه فقه جديد بالقياس إلى فقه المتقدمين، وهذا كتاب رسائل الشيخ الأنصاري، وكفاية الخراساني، وتقريرات النائيني دليل على هذه الحقيقة.
والخلاصة أن الاجتهاد يكون مع وجود الأدلة الأربعة، فمع نصوص القرآن يكون في الفهم والاستنباط، ومع السنة يكون في سند الحديث، وفهم ألفاظه، ويكون في الإجماع في إمكان تحققه، وفي عدم الأخذ به إذا علم سببه، وإذا حصل في عصر أو عصرين، أما الدليل الرابع فكما قدمنا من أبرز مظاهر الاجتهاد، حيث لا نص ولا إجماع.
على هذا الأساس، أساس الاجتهاد في فهم الأدلة الأربعة، والعمل بمقتضاها نستخرج أحكاما شرعية تتلاءم مع طبيعة الحياة، ولا تتنافى مع شئ من نصوص الكتاب والسنة، وإجماع الأمة ودليل العقل، وبهذا المقياس نقيس جملة من الأحكام الموجودة في كتب الفقه، فننفي منها ما تأباه الضرورة، ولا يدل عليه دليل شرعي، ونقر ما أقرته الحاجة والشريعة الإسلامية.