لا جبر ولا تفويض * إن مسألة الجبر والتفويض لهي من أهم المسائل النظرية وأقدم المعتقدات التي وقعت محلا لمعركة الآراء وضلت لشدة غموضها العقول والأفكار، وهي من أهم الأسباب لتشعب المذاهب وتعدد الفرق، والموجب لتكفير أمة أختها رغم الروابط الدينية التي تربطها من جهة أخرى، وقد ملأت جانبا عظيما من كتب التأليف والتصنيف، ونالت حظا وافرا من البحث والتدريس والجدل عند الفلاسفة والسالكين مسلكهم قبل الإسلام وبعده، فمن رجع إلى كتب الحكمة والكلام والأخلاق، وأصول الفقه يجد الأشعري المعتنق لعقيدة الجبر والمعتزلي الذي يدين بالتفويض قد أتى بالكثير من المقدمات الضرورية والنظرية التي تتألف منها البراهين القطعية بزعم المستدل، والأقيسة العقلية، والأدلة السمعية من الكتاب والسنة، ثم يكر بعد ذلك على طريقة العرف وسيرة العقلاء فيضرب الأمثال من معاملة الموالي مع عبيدهم ويؤولها حسب ما يوافق مطلوبه، هذا، وهو يحسب أنه قد أحسن صنعا بتمحيص الحق والاهتداء بنوره، ودحض الباطل والخروج من ظلمته، وكشف الأسرار الغامضة الدقيقة بالطرق الصحيحة والأدلة التي لم يهتد إليها أهل العقول والأنظار.
والحقيقة أن ما استند إليه كل من الطائفتين لو توجهت نحوه العقول وأعطته حق الامعان والتأمل لجعلته هباء وحكمت عليه أنه تطويل بلا طائل، وأنه أدل دليل على ارتباك المستدل وخطئه حيث عد الشبهة دليلا، والعليل صحيحا، وجزم أن الهدف الذي يرمي إليه والغاية التي يحاول إثباتها إن هي إلا صحة عقيدته التي غرست