الإسلام وفكرة الزهد * تعرضت كتب التاريخ والتراجم لسيرة الملوك والأمراء، وقادة الجيش، ولم تتعرض بالذات لحياة الفقراء الكادحين، ومع ذلك فباستطاعة الباحث أن يتعرف على حياة الجماهير من خلال دراسته لحياة القادة والحكام، لأن حياة هؤلاء وتاريخهم يرتبط ارتباطا تاما بالحياة والاجتماعية، وتاريخ المجتمع على أن المؤرخين وأصحاب السير قد ترجموا لعدد كبير من الشعراء ورجال الدين وعلماء اللغة الذين عانوا آلام البؤس والشقاء، ترجموا لهم لأنهم من أهل الذكاء والمعرفة، لا لأنهم من ذوي الفقر والفاقة، فمن هؤلاء:
عبد الوهاب بن علي المالكي كان بقية ذوي الفضل، وقد ضاق به العيش في بغداد فهجرها، ولدى خروجه شيعه خلق كثير من سائر الطوائف، فقال لهم:
لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين في كل غداة ما عدلت ببلدكم بلوغ أمنية. ومنهم الأخفش الصغير علي بن سليمان النحوي عاش أياما على اللفت النئ حتى انتهت به الحال إلى أن مات جوعا، ومنهم الخليل بن أحمد النحوي العروضي الشهير كان يقيم في خص من أخصاص البصرة لا يقدر على فلسين، والخص خيمة من القصب، ومنهم أبو الطيب الطبري طاهر بن عبد الله كان شيخ الشافعية في عصره وبلغ من العمر مائة وستين سنة صحيح العقل والفهم والأعضاء، يفتي ويقتضي ويدرس، كان له ولأخيه عمامة وقميص، إذا لبسها هذا جلس الآخر في البيت وإذا أراد غسلها جلسا فيه معا، وفي ذلك قال الشاعر:
قوم إذا غسلوا ثياب جمالهم * لبسوا البيوت إلى فراغ الغاسل