الجشع كان الناس فيما مضى لا يتطلبون من رجل الدين أن يتكل في أشياء تخرج عن تعاليم مدرسته ودائرة اختصاصه، فإذا خطب أو كتب تناول موضوعات تكاد تنحصر في العبادات والفقه والوصايا العشر، وما إليها، وكان يسند أقواله إلى كتاب منزل، أو نبي مرسل، أو حكم العقل، أو إجماع الأمة، هذا إذا كان من ذوي العلم والتحصيل، وإلا أسندها إلى مصدر غير صحيح، أو أرسلها إرسالا من غير أسناد معتمدا على اسم الدين وماله من قداسة وهيبة في النفوس، وكانت هذه القداسة وحدها تقوم عند المؤمنين والاتباع مقام التعليل وذكر الدليل، فهي الحجة القاطعة لإثبات الحق في فصل الخصومات، وحل المشكلات.
أما اليوم فقد عم الوعي، وخضع كل شئ للنقد والتساؤل، وبنيت الحياة وأشياؤها على العلم، على التجربة والمشاهدة، فأي مبدأ أو قول كائنا من كان قائله لا بد يتناوله البحث والتمحيص، ومن حاول أو يحاول الإفلات من النقد والبحث الحر فإنما يقيم الدليل على أنه يبني على غير أساس، ويسير على غير هدى.
إن الويل لمن زلت قدمه عن جاده الصواب، وتجاوز حدود الواقع، واستعان بالأوهام والتخيلات.
إن الدعاية الصحيحة أو قل الناجحة هي أن تعلن الواقع بدون مبالغة أو تحريف، أما إعلان ما ليس بواقع فينتج عكس الغرض المطلوب، لهذا لا أذكر شيئا مما قرأته في كتاب أو سمعته من أفواه الرجال عن فوائد الصوم، لأن الصوم عبادة، والعبادة لا تصاب بالعقول، ولا تفسر بالأوهام، بل يختصر فيها على ما نطق به