إلا ما حلل حراما أو حرم حلالا، وما إلى ذلك، فإذا جهلوا حكم معاملة وقعت بين اثنين، وأنه هل يجب الوفاء بالعقد الذي اتفقا عليه أو لا يجب؟ حكموا بوجوب الوفاء تمسكا بعموم أوفوا بالعقود، وإذا حامت الظنون حول مولود ولد من زوجة شرعية، حامت أنه ولد الزوج الشرعي أو غيره حكموا بأنه ابن شرعي للزوج عملا بعموم الولد للفراش، وإذا ترددوا في جواز قتل مجرم، حقنوا دمه أخذا بحديث الحدود تدرأ بالشبهات، وإذا تلف مال الغير في يد إنسان، حكموا عليه بدفع البدل من المثل أو القيمة حتى يقوم الدليل على العكس، وإذا اشترط إنسان على نفسه شرطا محللا، ألزموه به استنادا إلى حديث كل شرط جائز إلا ما يحلل حراما أو يحرم حلالا، ومتى أعوزهم الإجماع والنصوص الخاصة والعامة لجأوا إلى الدليل الرابع، وهو عندهم الاستصحاب، والبراءة، والاحتياط، والتخيير، وهذه الأصول الأربعة تشترك جميعها بأنها وظيفة الجاهل بحكم الواقعة بسبب فقدان النص والاجماع، قالوا: إن المجتهد لو طبق عمله على مؤداها يكون معذورا عند الله والناس غير مستحق للوم ولا عقاب أخطأ أم أصاب.
ومعنى الاستصحاب هو الأخذ بالحالة السابقة إلى أن يثبت العكس - مثلا - أستأجر زيد دارا من عمرو، وسكن فيها عشرات السنين حال حياة عمرو، ثم توفي عمرو، فطالب ورثته زيدا بالإجار، فقال: إني تملكت الدار من أبيكم، وسكنتها أمدا طويلا في حياته دون أن أدفع له درهما واحدا، لأنها انتقلت إلي بطريق مشروع، فهذا القول لا يسمع من زيد، وذلك عملا بالاستصحاب، أي كنا نعلم أن زيدا وضع يده على الدار في بدء الأمر على سبيل الإجار، فنأخذ بالحالة الأولى لليد إلى أن تقوم البينة المعاكسة، فكما علمنا بالإجار السابق يجب أن نعلم بحدوث الملك اللاحق، لأن العلم لا يرفعه إلا العلم، والحجة لا تدفع إلا بالحجة، وهذا معنى قول الإمام الصادق ع " من كان على يقين ثم شك فلا ينقص اليقين بالشك أن اليقين لا ينقضه إلا اليقين ".
أما أصل البراءة فمورده الشك بالتكليف مع عدم العلم بالحالة السابقة، كحضور الأفلام السينمائية، وتسجيل الأصوات، وما إلى ذلك من المواضيع التي وجدت بعد عصر التشريع، والتي ستوجد، فنحكم بإباحتها استنادا إلى ما