ثبت شرعا من أن كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي، وعقلا ممن أن العقاب بلا بيان قبيح.
أما الاحتياط فواجب مع العلم بوجود التكليف الملزم، واشتباه الشئ المكلف به مرددا بين أمرين أو أمور محصورة، كما لو علمنا أن شفاء المريض في شئ من شيئين، أحدهما ينفعه، والآخر لا يضره ولا ينفعه، ولم نستطع التمييز بين الاثنين، فيجب - والحالة هذه - الاحتياط بشربهما معا، أو علمنا أن هناك أمرين، أحدهما يضره، والآخر لا يضره ولا ينفعه، وعليه يجب تركهما معا، فالاحتياط يكون بالفعل كما يكون بالترك، ومستند الاحتياط حكم العقل بوجوب دفع الضرر والبعد عنه.
أما التخيير فواجب فيما إذا تردد فعل بين أن يكون إما واجبا لا يجوز تركه، وإما محرما لا يجوز فعله، كما لو علمنا أن إنسانا حلف على شئ، ولكن لم يتذكر أنه حلف على فعله يوم الجمعة مثلا أو على تركه، فيختار - والحالة هذه - الفعل أو الترك، أو فيما إذا كان هناك واجبان متساويان في الأهمية، ولا يستطيع المكلف الاتيان بهما معا، فيختار حينئذ فعل أحدهما وترك الآخر، أو فيما إذا علم المكلف بوجوب أحد شيئين، وحرمة الآخر، لأنه إن تركهما معا يقع في المخالفة القطعية بترك الواجب، وأن فعلهما معا يقع فيها بفعل المحرم، وإن فعل أحدهما دون الآخر يحتمل أن الذي أتى به هو الواجب، وبذلك يحصل الفرار من المخالفة القطعية إلى الموافقة الاحتمالية (1) ومعنى المخالفة القطعية أن يعلم الإنسان أنه خالف الحق والواقع يقينا، خالفه بتركه الواجب، أو بفعله المحرم، ومعنى الموافقة الاحتمالية أن يحصل له هذا العلم.
وقد أخذت مذاهب السنة بالاستصحاب والبراءة والاحتياط والتخيير في كثير من الموارد كما أخذت الشيعة بالاستصلاح والعلة المنصوصة ومفهوم الموافقة، ولكن أركان الدليل الرابع وأقسامه الرئيسية عند أولئك هي القياس والاستحسان والاستصلاح، وعند هؤلاء الاستصحاب والبراءة والاحتياط والتخيير.