قوم مؤمنين، وأذهب غيظ قلوبهم.
وقد اعتاد الناس أن يقولوا: أنت كريم لمن سرق ألفا، وبذل منه واحدا، بل اعتادوا أن يلقبوه بالمحسن الكبير. إذن بأي لفظ نعبر عمن بذل حياته وجميع ما يملك للناس، بقي الإمام هو وزوجته بنت الرسول، وولداه الحسنان ثلاثة أيام لا يذوقون شيئا، حيث آثروا بطعامهم على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، وباع حديقة لا يملك غيرها بإثني عشر ألف درهم وزعها على المحتاجين، ولم يبق لأهله درهما واحدا، وهم أحوج من يكون إلى المال.
واعتاد الناس أن يقولوا للرئيس: أنت عادل، وإن عاش في النعمة والترف، وشعبه في البؤس والشقاء، إذن بأي لفظ نعبر عن الإمام، وقد أبى أن ينزل القصر الأبيض في الكوفة، وسكن في كوخ مع الفقراء، وهو خليفة المسلمين، وامتنع عن أكل الطيبات، لأن في أطراف مملكته من لا عهد له بالشبع، ولا طمع له بالقرص.
قال له العلاء الحارثي: يا أمير المؤمنين أشكو إليك أخي عاصم. قال: ما له؟
قال: لبس العباءة وتخلى عن الدنيا. قال: علي به، فلما جاء قال: يا عدو نفسه، لقد استهام بك الخبيث، أما رحمت أهلك وولدك، أترى الله أحل لك الطيبات، وهو يكره أن تأخذها!. أنت أهون على الله من ذلك. قال: يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك، وجشوبة مألك. قال: ويحك، إني لست كأنت، إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس.
بهذا القياس، بالشعب بالضعفاء والمساكين والفقراء قاس الإمام، وهو الحاكم المطلق، نفسه وأخاه عقيلا وولديه حسنا وحسينا، فلقد شمل عدله القريب والبعيد، والعدو والصديق، كما شمل الغيث المؤمن الملحد، بل شمل عدله الحيوان كما شمل الإنسان، فكان يوصي من في يده إبل الصدقة أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها، وأن لا يبالغ في حلبها خشية أن يضر ذلك بولدها، وأن لا يركب ناقة ويدع غيرها، بل يعدل بينها في الركوب، وبين صواحباتها.
فيا للعدالة المساواة تشمل الأحياء جميعا، مساواة بين أفراد الحيوان، فضلا عن أبناء الإنسان.
أما العفو فهو فوق العدل، وعفو الإمام فوق كل عفو، قد يعفو الإنسان عمن