أو مركبة في المحاورات والمجاوبات، أو من يلقن المقدمات مقدمة مقدمة ليتعقلها المتعلم أو يرتبها في ذهنه ترتيبا خاصا يؤدي إلى المطالب المجهولة كسبية كانت أو ضرورية، مفتقرة إلى ضرب من التنبيه، فالظاهر في نظر العقل أن إنكار كونهم متعلمين بهذا المعنى يفضي إلى الجهالة، لأن جميع الأحوال المشتركة واللوازم البشرية، وبالجملة ما هو من مقتضى الطبيعة النوعية يقع عليهم (عليهم السلام) فيها ما يقع على غيرهم، فهم (عليهم السلام) لكونهم بشرا مخلوقين متعلقين بجلابيب أبدانهم الناسوتية وقوالبهم البشرية غير بعيد أن يكونوا متعبدين بالتعلم ومتكلفين بالتدرس كغيرهم ممن ليس بإمام ولا نبي، إذ النفس الهيولانية الخالية في نفسها عن جميع الصور المستعدة لقبولها حاصلة لجميع أفراد النوع في مبادئ فطرتهم، وإنما تستكمل متدرجة شيئا بعد شئ بعد أن حصلت لها المعقولات الأول بحسب ما يحصل لها من الاكتساب، وهكذا الحال في سائر أصناف التكاليف والأمور المشتركة بينهم وبين غيرهم، وبه وبأمثاله تثبت لهم العبودية وتنفي عنهم الربوبية وتسد عنهم وسوسة الغلاة، والحالة المختصة بهم هي الإمامة والعصمة وما يتعلق بهما، وبهما امتازوا عن غيرهم من سائر أفراد المكلفين كما ذهب إليه الشيخ الصدوق.
على أن اقتناص العلوم النظرية واقتنائها طاعة، وفيه كلفة توجب زيادة استحقاق التقرب والزلفى والكرامة والفضلى، فحرمانهم عنها لا يخلو من شئ، وأما ما نقل من حال نبينا عليه وآله السلام من كونه أميا بهذا المعنى فعلى تقدير ثبوته وصحته فهو لمصلحة أرادها الله تعالى وشاء.
وبالجملة العلم قسمان: كسبي وموهبي وهم كانوا جامعين بينهما على سبيل منع الخلو، أما الأول فكان لهم قبل وصولهم إلى درجة الإمامة، وأما الثاني فكان لهم بعد وصولهم إليها، وذلك لأن لهم جهتي: ناسوتية ولاهوتية، فبالأولى محتاجون إلى التعلم والتكسب، وبالثانية مغنون عنهما، ولذا كان سيدنا أمير المؤمنين (عليه السلام) يروض نفسه رياضة لا يتصور فوقها رياضة حتى إذا صفت