ومنه الحديث: " أمرت بقرية تأكل القرى، تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد " (1) أراد الهجرة إلى المدينة، فقوله: " أمرت بقرية تأكل القرى " مجاز، والمراد أن أهلها يقهرون أهل القرى فيملكون بلادهم وأموالهم، فكأنهم بهذه الأحوال يأكلونهم. وخروج هذا القول على طريقة العرب معروف، لأنهم يقولون:
أكل فلان جاره إذا عدا عليه فانتهك حرمته واستبى جاريته، وعليه قول علقمة بن علقمة لأبيه في أبيات:
أكلت بنيك أكل الضب حتى * وجدت مرارة الكلاب الوبيل (2) ومن ذلك قوله (عليه السلام) في غزوة الحديبية: " قريش أكلتهم الحرب " يريد أنها قد أفنت رجالهم وانتهبت أموالهم، فكانت من هذا الوجه كأنها آكلة لهم، فيكون المعنى لاستعنت بها على قتل الكفار وكسرهم وقهرهم لأنه عبادة مفروضة.
الثاني: أنه (صلى الله عليه وآله) يوقع الأكل على وجه العبادة، وكذا جميع أفعاله، بل ينبغي أن يكون جميع أفعال المؤمن كذلك، ولا شك أن الأكل لتقوي البدن على الطاعات من جملة العبادات، فلو كان له يد ثالثة لاستعان بها على فعل هذه الطاعة.
الثالث: أن يكون المراد لاستعنت بها على تحصيل الرزق الذي هو محل الأكل وتحصيله من العبادات، لأنه يتقوى به على الطاعات ويتصدق به على المحاويج.
الرابع: أن يقرأ على " الأكل " بضم الهمزة وسكون الكاف اسم المأكول، أو بضمها اسم مصدر، كقوله تعالى: * (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) * (3) وقوله تعالى: * (تؤتي أكلها كل حين) * (4) وقوله: * (أكلها دائم) * (5) والمراد به ما يؤكل منه وهو الرزق، أي: لاستعنت بها على تحصيله بحذف المضاف، وحينئذ فلا حاجة