طبيعته بانحرافها عن حد الاعتدال على وجه لا يلتذ بهذه اللذة بخلافه (عليه السلام) لكونه في أعلى مراتب الاعتدال وأشرفها خلقا وخلقا ونفسا ومزاجا، وهذا غاية توجيهه، وهو بعد لا يخلو عن بعد، إلا أن يكون المانع يكفيه الاحتمال، وهو مظفر في غالب الأحوال.
وحاصل الثاني يرجع إلى منع نقيض التالي، مستندا بأن ابن عمر لعله كان مسدود الأذنين بأمر سيد الكونين، وإنما كان يسأله عن الانقطاع من حيث أن يجوز أن يكون عارفا به بغير السماع كالرؤية ونحوها. وفيه: أنهما لما مرا متصاحبين على الراعي كانت نسبتهما إليه نسبة واحدة، فهو وصاحبه في الانقطاع المستند بالرؤية سيان، فأية حاجة له إلى تكرير السؤال ليستكشف منه حقيقة الحال؟
ويمكن الجواب بالفرق بين السماع والاستماع، بأن الأول لما كان مكروها وكان سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجتنب المكروهات اجتناب غيره المحرمات سد أذنيه ولم يأمره بسدهما، فكان له أن يستخبر الحال عنه بأن صوتها هل انقطع بطول المسافة وبعد الراعي أو بوضعه الشبابة عن فيه، لا بأن يعلم ذلك بالرؤية، بل بانقطاع الصوت المستند بأحدهما. فهذا الخبر على تقدير ثبوته وصحته وكونه سالما عن المعارض الأقوى إنما يدل على كراهة السماع لا الاستماع، وكلاهما في حيز المنع:
أما الأول فلأن ابن عمر من الخاذلين، وهم قد رووا عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كتب إلى والي المدينة: " لا تعطين سعدا ولا ابن عمر من الفئ شيئا " (1).
وقيل لابن مسعود: إني أحب ابن عمر في الله، فقال: لو علمت بعمله إذا دخل بيته لأبغضته في الله.