يا عبد الله لقد سمعت بك وأحببت لقاءك، فلقيتك ولكني رأيت منك ما شغل قلبي، وإني سائلك عنه ليزول به شغل قلبي، قال: ما هو؟ قلت: رأيتك مررت بخباز وسرقت منه رغيفين، ثم مررت بصاحب الرمان وسرقت منه رمانتين، فقال لي:
قبل كل شئ حدثني من أنت؟ قلت: رجل من ولد آدم من أمة محمد (صلى الله عليه وآله)، قال:
حدثني من أنت؟ قلت: رجل من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: أين بلدك؟ قلت:
المدينة، قال: لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب؟
قلت: بلى، قال لي: فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به، وتركك علم جدك وأبيك، أتنكر ما يجب أن يحمد ويمدح عليه فاعله؟ قلت: وما هو؟ قال:
القرآن كتاب الله، قلت: وما الذي جهلت منه؟ قال: قول الله تعالى: * (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها) * (1) وإني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين، ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين، فهذه أربع سيئات، فلما تصدقت بكل واحد منهما كان لي بها أربعين حسنة، فانتقص من أربعين حسنة أربع بالأربع سيئات، بقي لي ست وثلاثون حسنة، قلت: ثكلتك أمك أنت الجاهل بكتاب الله، أما سمعت الله يقول * (إنما يتقبل الله من المتقين) * (2) إنك لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين، ولما سرقت الرمانتين كانت أيضا سيئتين، ولما دفعتهما إلى غير صاحبهما بغير أمره (3) كنت إنما أضفت أربع سيئات إلى أربع سيئات ولم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات، فجعل يلاحظني، فانصرفت وتركته.
ثم قال (عليه السلام): بمثل هذا التأويل القبيح المستكره يضلون ويضلون، وهذا نحو تأويل معاوية لما قتل عمار بن ياسر، فارتعدت فرائص خلق كثير، وقالوا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عمار تقتله الفئة الباغية، فدخل عمرو على معاوية وقال: يا أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا، قال: لماذا؟ قال: قتل عمار، فقال معاوية:
: