جامع الشتات - الخواجوئي - الصفحة ١٥٤
* (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) * (1) ولذا جاء في صفة هذه الأمة: " صدورهم أناجيلهم " بخلاف سائر الكتب السماوية فإنها ما كانت تقرأ إلا من المصاحف كما ذكره صاحب الكشاف (2) لا يقدر أحد على تحريفه وتغييره، فكأنه تعالى لما جعله محفوظا في الصدور جعله على وجه لا يغرقه الماء ولا تحرقه النار.
وفي نهاية ابن الأثير: فيه أنه قال فيما حكى عن ربه: " وأنزل عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرأه نائما ويقظان " أراد أنه لا يمحى أبدا بل هو محفوظ في صدور الذين أوتوا العلم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكانت الكتب المنزلة لا تجمع حفظا وإنما يعتمد في حفظها على الصحف، بخلاف القرآن فإن حفاظه أضعاف مضاعفة لصحفه. وقوله " تقرأه نائما ويقظان " أي: تجمعه في حالة النوم واليقظة، وقيل: أراد تقرأه في يسر وسهولة (3)، انتهى.
وفي حديث عقبة بن عامر، لو كان القرآن في إهاب ما أكلته النار (4). قال أبو عبيد: أراد بالإهاب قلب المؤمن وجوفه الذي قد وعى القرآن. فيكون المعنى: من علمه الله القرآن لم تحرقه نار الآخرة، فجعل جسم حافظ القرآن كالإهاب (5).
وقال ابن الأنباري: معناه أن النار لا تبطله، ولا تقلعه من الأسماع التي وعته والأفهام التي حصلته، كقوله في الحديث الآخر: " وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء " أي: لا يبطله ولا يقلعه من الأوعية الطيبة ومواضعه، لأنه وإن غسله الماء في الظاهر لا يغسله بالقلع من القلوب.
وعند الطبراني من حديث عصمة بن مالك: لو جمع القرآن في إهاب ما أحرقته النار (6).
وعنده من حديث سهل بن سعد: لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار (7).

(١) العنكبوت: ٤٩.
(٢) الكشاف: ٣: ٢٠٩.
(٣) نهاية ابن الأثير ٣: ٣٦٧.
(٤) كنز العمال ١: ٥١٧ برقم: ٢٣١٢.
(٥) نهاية ابن الأثير ١: ٨٣.
(٦) كنز العمال ١: ٥١٧ برقم: ٢٣١٣.
(٧) كنز العمال ١: ٥٣٦ برقم: 2404.
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»
الفهرست