لا تقدرون على النفوذ والهرب من نواحيهما إلا بقهر وغلبة، وأنى لكم هذا؟ فهو تعالى ذو سعة وقدرة واسعة، لا يجد الهارب منه مهربا وإن أبعد في الهرب، فإن أمره نازل بإذلاله لا محالة وإن كره الخلائق أجمعون، لكون أمره فيهم نافذا، وقهره بنواصيهم آخذا، وكيف يستطيع أن يهرب منه من لا حياة له إلا برزقه؟ أو كيف ينجو منه من لا مذهب له في غير ملكه؟ مع استواء الأمكنة والأزمنة بالنسبة إليه، لكونه محيطا بالكل عالما بأن أي حادث يوجد في أي زمان أو مكان، وكم بينه وبين الذي قبله أو بعده من المدة، وأية نسبة بينه وبين ما عداه مما يقع في جميع جهاته، فليس بالنسبة إليه ماض ولا مستقبل ولا آن، ولا هنا ولا هناك، ولا الحضور ولا الغيبة، ولا قدام ولا خلف، ولا تحت ولا فوق، ولا بعد ولا قرب، فالهرب محال والالتجاء إلى غيره ضلال، ذلت له رقاب الجبابرة وخضعت لديه أعناق الأكاسرة، وهم من سطوته خائفون وفي جنب عزته خاضعون، وله جنود لا قبل لها، وما يعلم جنود ربك إلا هو.
فالواجب على العاصي واللازم على العاتي أن يعود منه إليه بالإنابة والتوبة والتضرع والاستكانة، قائما ليله صائما دهره، راجيا رحمته آملا مغفرته، فهو يقبل منه توبته ويرحم منه مسكنته، لأنه يدعو المدبرين عنه فكيف لا يقبل المقبلين عليه، ففروا إلى الله وتوبوا إليه جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
مصاحب درره عشق جهان سوز * محبت را از آن كودك بياموز كه چون مادر پى قهرش ستيزد * همان در دامن مادر گريزد فصار الحاصل: أن لا ملجأ لأحد يريد أن يفر من قهرك بوجه من الوجوه إلا بوجه يتوصل فيه إلى كنف لطفك وكهف حمايتك، أو لا ملجأ للهاربين منك إلى غيرك ولكن لهم ملجأ يؤدي إليك، أو لا ملجأ لأحد منك إلى غيرك ولكنه له ملجأ من غيرك إليك، فالاستثناء: إما مفرغ أو منقطع.
وكونه من قبيل * (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) * (1).