الاستدلال بالآيات والروايات من السلف إلى الخلف على الظاهر المتبادر، لا أن يفسره بمجرد رأيه وميله واستحسان عقله من غير دليل ولا شاهد غير معتبر عقلا ونقلا كما يوجد في كلام المبتدعين، فإنهم يأولونه على وفق آرائهم ليحتجوا به على أغراضهم الفاسدة وأديانهم الكاسدة، ولولا ذلك الرأي لم يكن لهم من القرآن ذلك المعنى.
وهذا يكون مع العلم تارة كالذي يحتج بآية على تصحيح بدعته وهو يعلم أنه ليس المراد بها ذلك ولكن يلبس به على خصمه، ومع الجهل أخرى، ولكن إذا كانت الآية محتملة فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه، ولولا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه، وتارة يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلا من القرآن ويستدل عليه بما يعلم أنه غير مراد ولكن يقول به لتغرير الناس ودعوتهم على مذهبه الباطل فينزل القرآن على رأيه ومذهبه على أمر يعلم قطعا أنه ما أريد به ذلك.
وذلك كما روى الصدوق في معاني الأخبار عن الصادق (عليه السلام) " قال: من اتبع هواه وأعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء العامة تعظمه وتصفه، فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره ومحله، فرأيته قد أحدق به خلق كثير من غثاء العامة، فوقفت منتبذا عنهم متغشيا بلثام أنظر إليه وإليهم، فما زال يراوغهم (1) حتى خالف طريقهم وفارقهم ولم يقر، فتفرقت عنه العوام لحوائجهم، وتبعته أقتفي أثره، فلم يلبث أن مر بخباز فتغفله فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة، فتعجبت منه، ثم قلت في نفسي: لعله معاملة، ثم مر بعده بصاحب رمان فما زال به حتى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة، فتعجبت منه، ثم قلت في نفسي: لعله معاملة، ثم أقول:
وما حاجته إذا إلى المسارقة؟ ثم لم أزل أتبعه حتى مر بمريض فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى، وتبعته حتى استقر في بقعة من الصحراء، فقلت له: