أو يقال: المراد أن صفحك عن هؤلاء وعفوك عنهم بعد سابقة تقصيرهم وإساءتهم إليك مذموم، لأنه إجراء لهم وإغراء على البغي عليك والإضرار بك، فالممدوح حينئذ تأديبهم بمعاتبتهم ومعاقبتهم بما يستحقونه حسما لمادة جرأتهم على الإساءة والطغيان.
وإنما سمي ذلك ظلما مع كونه جزاء سيئة بمثلها وهو عين العدل من باب الازدواج والمشاكلة، والمشاكلة لا يشترط فيها تقدم المشاكل - بالفتح - على المشاكل - بالكسر - وإن كان أكثريا، ألا يرى أنهم صرحوا بأن " يمشي " في قوله تعالى: * (منهم من يمشي على بطنه) * (1) لمشاكلة قوله: * (فمنهم من يمشي على رجلين) * (2).
ويمكن أن يكون من محط فائدة الخبر مذمة هؤلاء، والإخبار بسفالة قدرهم بأنهم مع كونهم عاجزين محتاجين إليك يظلمونك من غير سابقة ظلم منك وإذا ظلمتهم يكفون عنك الظلم خوفا لا حياء وأدبا، فيكون الغرض مجرد الإخبار بكونهم ظالمين لك من غير سبب، فالواجب عليك أن تكون على حذر منهم واحتياط لئلا يظلموك على حين غفلة منك.
وأما جواز الابتداء بظلمهم وعدمه فمسكوت عنه، وإنما يعلم عدمه مطلقا من أدلة أخرى، فليتأمل.
وفي الفقيه في باب النوادر - وهو آخر أبواب الكتاب - بإسناده إلى أبي عبد الله عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه " قال: يا علي، ثلاثة إن أنصفتهم ظلموك: السفلة، وأهلك، وخادمك " (3) وهذا من حيث المعنى قريب من الأول بل عينه، إذ المتبادر من الأهل وخاصة إذا قوبل بالخادم هو الزوجة، وكثيرا ما يطلق الخادم والخادمة على المملوك والمملوكة.
فمنه ما ورد في صحيحة يعقوب بن شعيب أنه " سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يكون له الخادم، فقال: هي لفلان تخدمه ما عاش فإذا مات فهي حرة،