تضرم (1) الهواجر (2)، وتوقد السماء، فلما وصلت إلى مشهد الكاظم (عليه السلام) واستنشقت روائح تربته، المغمورة (3) من الرحمة، المحفوفة بحدائق الغفران، بكيت (4) عليها بعبرات (5) متقاطرة وزفرات متتابعة، وقد حجب الدمع طرفي عن النظر، فلما رقأت العبرة وانقطع النحيب (6)، فتحت بصري وإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه، وتقوس منكباه، وثفنت جبهته وراحتاه، وهو يقول لآخر معه: يا ابن أخ لقد نال عمك شرفا بما حمله السيدان من غوامض الغيوب وشرائف العلوم، التي لم يحمل مثلها إلا سلمان، وقد أشرفت على استكمال المدة وانقضاء العمر، ولست أجد في أهل الولاية من يفضي إليه بسر.
قلت: يا نفس لا يزال العناء والمشقة ينالان منك بإتعابي الخف والحافر في طلب العلم، وقد قرعت سمعي من الشيخ لفظة تدل على حال جسيم، وأمر عظيم.
فقلت: أيها الشيخ! ومن السيدان؟
قال: البحران (7) المغيبان في الثرى بسر من رأى.
قلت: فإني أقسم بالموالاة وشرف محل هذين السيدين من الإمامة والوراثة، أني خاطب علمهما وطالب آثارهما، وباذل من نفسي الأيمان المؤكدة على حفظ أسرارهما.