السنة إلى وجوبه شرعا والجبائي وابنه إلى وجوبه عقلا ثم اختلفا فقال الجبائي يجب مطلقا فيما يدرك حسنه وقبحه عقلا وقال أبو هاشم إن تضمن
الأمر بالمعروف والنهي من المنكر دفع ضرر عن الآمر والناهي ولا يندفع عنه إلا بذلك وجب وإلا فلا والذي يدل على وجوبه عندنا الاجماع فإن القائل قائلان قائل بوجوبه مطلقا وقائل بوجوبه باستنابة الإمام فقد اتفق الكل على وجوبه في الجملة والكتاب كقوله تعالى ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير
ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر والسنة كقوله عليه السلام لتأمرون بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله شراركم على خياركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب وأما عدم توقف جوازه على استنابة الإمام فيدل عليه إن كل واحد من آحاد الصحابة كان يشتغل
بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا استتابة وإذن من الإمام وكان ذلك شائعا ذائعا فيما بينهم ولم يوجد نكير فكان إجماعا على جوازه (ولوجوبه) بعد علمه بأن ما يأمر به معروف وأن ما ينهي عنه منكر وأن ذلك أوليس من المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها اعتقاد الآمر والمأمور والناهي والمنهي (شرطان أحدهما أن
يظن أنه لا يصير موجبا لثوران فتنة وإلا لم يجب وكذا) لا يجب (إذا
ظن أنه لا يفضي إلى المقصود بل
يستحب حينئذ إظهار الشعار الإسلام) فوجوبه إنما هو إذا
جوز حصول المقصود بلا إثارة فتنة (وثانيهما عدم التجسس) والتفتيش عن أحوال الناس (للكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى ولا تجسسوا وقوله إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا الآية) فإنه يدل على حرمة السعي في إظهار الفاحشة ولا شك إن التجسس سعي في إظهارها (وأما السنة فقوله عليه السلام من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته فضحه علي رؤس الأشهاد الأولين والآخرين وقوله عليه السلام من ابتلى بشئ من هذه القاذورات فليسترها) بستر الله فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه حد الله (و) أيضا قد (علم من سيرته عليه السلام أنه كان لا يتجسس عن المنكرات بل يسترها ويكره إظهارها جعلنا الله ممن اتبع الهدى واقتدى برسول الله وأصحابه والصالحين من عباده إنه ولي الهداية والتوفيق والحمد لله رب العالمين
والصلاة على نبيه محمد وآله وأصحابه
____________________
(قوله بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم ستفترق الخ) طعن بعضهم في صحة هذا الخبر فقال إن أراد باثنين وسبعين فرقة أصول الأديان فلن يبلغ هذا العدد وإن أراد الفروع فإنها تتجاوز هذا العدد إلى أضعاف ذلك أجاب الإمام الرازي بأن المراد ستفترق أمتي في حال ما وليس فيه دلالة على أن افتراقها في سائر الأحوال لا يجوز أن يزيد