الأمر إلى علي عليه السلام عادت الحال إلى ما كانت عليه في أيام النبي صلى الله عليه وآله.
وهذا برهان واضح على ما قلناه، مع ما فيه من برهان نفاق المتقدمين ومشاركتهم للمعروفين به أيام النبي صلى الله عليه وآله.
ومنها: أن أمير المؤمنين عليه السلام مزيل الرئاسات، ومذل العزيز، وقاتل الأحبة، ومفرق الجمع، ومن هذه حاله فالصوارف عنه قوية، وإن كان المصروف محقا، لاستناد نفاره عنه إلى الطباع الغالبة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله - وهو أعلى الخلق إيمانا - لوحشي قاتل عمه وقد آمن به: أخرج عني، فإني لا أطيق أرى قاتل عمي، فما بال نخوة الجاهلية وقريبي عهد الإيمان، وليس في القوم المتقدمين شئ من ذلك.
ومنها: علم الكل من حال علي عليه السلام أنه إن يلي الأمر لا يعدو سيرة نبيهم صلى الله عليه وآله: من التسوية بين الرئيس والمرؤوس والسيد والمسود في العطاء، وعلم الرؤساء والسادة والشجعان الذين بهم تتم الرئاسات وينقاد لهم الأتباع فيرضون لرضاهم ويسخطون لسخطهم، فذلك صرفهم عن ولاية علي عليه السلام إلى المتقدمين عليه.
وقد صرح بهذا عبد الرحمن يوم الشورى في تعريضه عليا عليه السلام للبيعة على سيرة أبي بكر وعمر، وامتناعه من ذلك إلى السيرة بكتاب الله وسنة نبيه عليه السلام، ومبايعة عثمان على هذا الشرط، وإمساك أهل الحل والعقد وذوي النجدة والرأي عن الإنكار على عبد الرحمن، لعلمهم بمقصده وقصد علي عليه السلام وما يريده من سيرة النبوة المساوية بينهم وبين أطراف الناس، وما يريده عبد الرحمن من التفضيل في العطاء.
ومعلوم توفر صوارف الرؤساء عن ولاية من هذه حاله، ودواعيهم إلى ولاية من بين لهم في الدنيا منازلهم وارتفاع الشبهة (1) عن العقلاء في فساد رئاسة ذاك وتمام ولاية