(إمكان ظهوره لأوليائه في زمن الغيبة) وليس لأحد أن يقول: فهب تكليف أعدائه مع غيبته عليه السلام لازم، لتقصيرهم عن الواجب من تمكينه، فما بال أوليائه العارفين به المتدينين بطاعته يمنعون لطفهم بظهوره لهم بجناية غيرهم، ويلزمهم تكليف ما ظهور الإمام لطف فيه مع غيبته بجريرة سواهم، ومقتضى الألطاف عندكم بخلاف هذا.
لأنا لا نقطع على غيبة الإمام عليه السلام عن جميعهم، بل يجوز ظهوره لكثير منهم، ومن لم يظهر له منهم فهو عالما بوجوده ومتدين بفرض طاعته وخائف من سطوته، لتجويزه ظهوره له ولكل مكلف في حال منتصرا منه إن أتى جناية أو من غيره من الجناة، فغيبته عنده على هذا التقدير كظهوره في كونه مزجورا معها، بل حاله مع الغيبة أبلغ في الزجر، من حيث كانت حال الظهور تقتضي اختصاص الحجة لمكان معلوم وخلوه مما عداه، وفي حال الغيبة لا مكلف من شيعته إلا ويجوز اختصاص الإمام بما يليه من الأمكنة ولا يأمن ظهوره فيها، وإذا كانت هذه حال أوليائه عليه السلام في زمان الغيبة حسن تكليفهم ما وجود الإمام لطف فيه وإن كان غائبا، لحصول صلاحهم فيها بالظهور.
(حفظ الشريعة في حال الغيبة) وأما حفظه صلوات الله عليه الشريعة وتبليغها في حال الغيبة، فإنها لم تحصل له إلا بعد تبليغ آبائه جميع الشريعة إلى الخلق وإبانتهم عن أحكامها وإيداع شيعتهم من ذلك ما يزاح به علة كل مكلف وحفظهم عليهم السلام عليهم في حال وجودهم، وحفظه هو عليه السلام بعد فقدهم بكونه من وراء الناقلين وأحد المجمعين من شيعته وشيعة آبائه عليهم السلام، فقام والحال هذه إجماع العلماء من شيعته وتواترهم بالأحكام عن آبائه عليهم السلام، مع كونه حافظا من ورائهم مقام مشافهة الحجة، ورجب على كل مكلف العمل بالشريعة الرجوع إلى علماء شيعته والناقلين عن آبائه عليهم السلام، لكونه أمنا من الخطأ فيما أجمعوا عليه، لكون الحجة المأمون واحدا من المجمعين وفيما