وتخلف عنه الأكثر: فمن كافر بإمامته لا ترجى نصرته، ومن دان بها قد سبق إلى بيعة أبي بكر للوجوه التي ذكرناها من الطمع في الدنيا وعاجل بزخرفها يظن لتقصيره عن النصر أن ذمته مرتهنة ببيعته لأبي بكر، وأنه لا يسوغ له نكثها على حال، أو يعلم الحق في وجوب البيعة لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وما أوجباه من إمامة أمير المؤمنين عليه السلام التي لا ينقضها عهد ولا يعذر في تركها عقد، ويصرفه عن ذلك الطمع في نيل الرئاسة وبلوغ المأمول من الدنيا بولاية القوم.
وما زال الأكثر من الخلق من أول الدهر إلى الآن يؤثرون الدنيا على الآخرة، ويرغبون عنها لبعض ما رغب فيه أتباع الظالمين، مع سلامة الظواهر والبواطن من الضلال، ومؤثرو الآخرة على الدنيا وبايعوها لها الأقلون عددا، عادتهم بذلك جارية، وحالهم فيه معلومة، وخلافه لا يعرف وبنقضه لا يتوهم.
وبهذا يسقط ما لا يزالون يتعجبون منه من عدول الناس عن ذوي العشيرة الكثيرة والفضائل العظيمة مع القربى والسبق والجهاد والزهد والعلم وكونه منصوصا عليه على ما يزعمون، إلى من لا يدانيه في شئ ولا نص عليه، فليتأمل ذلك.
ولأنه لا قياس على الاتفاق ولا تعجب من تمام الرئاسة لذوي الدناءة والنقص على ذي النباهة والفضل، والعادة به جارية، والموجود له شاهده، وما بين الخلق والدني إلا أن تتم له الرئاسة حتى ينقاد له الفاضل والمفضول والسيد والمسود، ويسلم له الشجاع القوي والضعيف الدني، وينخع الكل بالطاعة رجاء أو خوفا.
وبعد، فهناك دعوى إلى ولاية القوم وصوارف عنه عليه السلام لما هو عليه وهم من الصفات.
منها: أن هناك منافقين اضطرهم علو كلمة الإسلام، وخوف علي وشيعته المخلصين في النبوة إلى إظهاره، لا داعي لهم إلى ولاية سنام هذا الدين وناصره ومذل الشرك ودامغه، ولهذا نجدهم مدة حياة النبي صلى الله عليه وآله وإلى أن قبضه سبحانه إليه يقدحون في الدين ويدغلون على المؤمنين، ويتربصون بهم الدوائر، ويرجفون في المدينة ومن حولها، ولم يعرف مرجف في ولاية الثلاثة ولا قادح ولايتهم بذلك، فلما آل