وإنما اشتبه على الخوارج الأمر في التحكيم، فظنوه كبيرة، ومذهبهم في مرتكب الكبيرة عامة كافر.
وقد بينا حسن التحكيم وجهل من قبحه، وسنبين صحة ثبوت الإيمان مع ارتكاب الكبائر، فسقط بكل واحد من الأمرين مذهب الخوارج على كل وجه، وإن لم يكن الاعتراض بهم قادحا فيما ذكرناه.
إن قيل: لو كانوا كفارا لحكم فيهم بأحكام الكفار: من سبي، وقسمة في استيصال.
قيل: قد ثبت كفرهم بالأدلة القاهرة، فلا يقدح في سيرته فيهم بما يخالف أحكام المشركين وأهل الكتاب، بإجماع العلماء على صواب سيرة أمير المؤمنين عليه السلام فيهم وكونها قدوة لجميع الأمة في محاربي أهل القبلة ومن كان كذلك، فلا اعتراض على شئ مما يفعله.
وبعد، فقد علمنا اختلاف أحكام الكفار، كحال اليهود والنصارى والمجوس الحربيين يخالف حال الداخلين منهم تحت الذمة، وحال الجميع يخالف حال عباد الأصنام، وأحكام الكل تخالف أحكام المرتد، وأحكام المرتدين تختلف، والمجبرة والمشبهة عند كافة أهل العدل كفار، وحالهم يخالف أحوال من قدمناه من ضروب الكفار، والمعتزلة ومن عداها من الخوارج وغيرهم من الفرق الجاحدة للنص أو إمامة إمام من الله تعالى عند (1) الشيعة كفار، مع مخالفة حالهم لمن ذكرناه، والمقلدة كفار عند جميع أهل النظر وإن اعتقدوا الحق بأسره، وأحكامهم خارجه عمن ذكرناه.
وإذا علمنا من دين المسلمين اختلاف أحكام الكفار مع اشتراكهم في الكفر، لم تكن مخالفة المحاربين في الحكم لبعض الكفار مخرجة لهم عن سمة الكفر وحكمه، الثابتين بالأدلة، مع علمنا باستناد ذلك على سيرة المشهود له بالعلم ومقارنة الحق، حيث كان المدلول على ثبوت الحجة بقوله وفعله.