إلا بتولي الأمر لمثل هذا قبل القيام بأمر الأمة عند اختيار القوم له بعد عثمان، من حيث كان سببا يقتضي تمكينه من تنفيذ ما جعل إليه تنفيذه، وإن لم يكن له وجها لاستحقاقه الإمامة الثابتة له من قبل الله سبحانه، وإن جهل العاقدون واعتقدوا استحقاقه لها من غير وجهه، وذلك يعين عليه فرض الدخول في الشورى وتقلد الأمر، للوجه الذي ذكرنا، فكيف يجعل قدحا من النص عليه أو تصويبا للمتقدم دونه.
(مسألة التحكيم وتحميلها على أمير المؤمنين عليه السلام) وأما تحكيمه عليه السلام الحكمين، فقد علم كل مخالط لأصحاب السيرة وناقلي الآثار أن ذلك لا يقع بإيثاره، بل المعلوم من حاله عليه السلام إرادة الحرب والمناجزة لمعاوية وكراهية التحكيم، وإنما ألجأه أصحابه إلى النزول على حكم معاوية فيما أراده وكادهم به من إيثار التحكيم، وتوعدوه على استدامة الحرب بالقتل، فلم يجد بدا من إجابتهم، إذ هم الأنصار الذين بهم يقاتل على عدوه، فإذا قعدوا عن نصرته واضطروه إلى مراد خصمه يضيق عليه فرض الرجوع إليهم، وإلا صاروا عونا عليه مع محاربيه، فلا يتم له أمر، ويعرض نفسه (1) ومن أطاعه للهلكة بغير شبهة، وفعل يقع على هذا الوجه عذر فاعله فيه واضح.
على أنه عليه السلام ما أجاب إلى (طلبهم) (2) والحال هذه إلا بشرط الرجوع إلى الكتاب والسنة الثابتة، لعلمه بأنهما لا يدلان على لمعاوية، بل هما دليلا إمامته وفرض طاعته والانقياد له، فلم يرجع بتحكيمه عليه السلام إلا إلى الحجة التي لو ابتدأ بها قبل الحرب لكان مصيبا، وكذلك فعل قبل المحاربة، وذلك شبهة المخالفين عليه من أصحابه.
ولهذا لما عدل الحكمان عن موجب الكتاب والسنة لم يمض حكمهما، وتجهز لحرب