منها: أن القول بتخصيص الآية بأبي بكر مستند إلى من ذكرناه من جهلة المفسرين، فلا يجوز لمثله الرجوع من ظاهر العموم المتضمن لنهي كل مكلف عن التأول على حرمان أولي القربى والمساكين والمهاجرين بجريرة وقعت منهم.
على أنه قد روى جماعة من المفسرين ما يخالف ذلك، وأن ملاحاة وقعت بين المهاجرين والأنصار في بعض البعث، فشج بعض المهاجرين أنصاريا، قالوا: لا تبروهم، فأنزل الله الآية، وأراد بالقربى قرابة النبي صلى الله عليه وآله.
ويقوي هذه الرواية: أن مسطحا لم يكن من قرابة أبي بكر، وهو واحد، وظاهر الآية الجمع، فصار حملها على هذه الرواية أولى، لمطابقتها لها من كل وجه ومنافاتها لروايتهم، وأقل أحوالها أن تعارض ما رووه، فسقط التعلق بها.
ومنها: أنا لو سلمنا تخصصها بأبي بكر لكانت بالذم أولى، لكونه منهيا بظاهرها عن فعل، والنهي لا يكون منه إلا عن قبيح، وإذا كان تاليه وقع على وجه يقبح، فالآية برهان على نقصه وذمه، فيكف تجعل دلالة على مدحه؟
وأيضا فإن الفضل المذكور فيها المراد فيه الفضل في الدنيا وسعة الحال فيها، لأن تعلق الآية بالقصة التي ذكروها يقتضي ذلك، فكأنه قال: ولا يأتل الأغنياء وذووا السعة على منع الفقراء من رزق الله تعالى لديهم.
وأراد بالفضل هاهنا على مسطح دون غيره، لتخصص الحكم به، وحصول العلم بأن أبا بكر لم يكن من الأغنياء، لا سيما بعد الهجرة.
وإذا صح هذا، فالفضل في باب الدنيا ليس بثواب ولا دال عليه ولا مانع من قبيح.
(ما استدل به من السنة) وتعلقوا من جهة السنة بأشياء:
منها: ما رووه عنه صلوات الله عليه وآله أنه قال: خير القرون القرن الذي أنا فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.
وقوله: إن الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.