وتقديرهم للمصدر بأن والفعل لا يتم إلا إذا كان بمعنى الحال، لأن (أن) إذا دخلت على المضارع خلصته للاستقبال، بخلاف ما إذا دخلت على الماضي فإنه يبقى معها على معنى المضي، لكنهم قدروه بأن دون (ما) و (كي)، وإن كان في الحال أيضا، نحو:
ضربك الآن زيدا: شديد، لكونها أشهر وأكثر استعمالا فيهما، ولتقديرهم له بأن والفعل، وهم بعضهم وظن أنه لا يعمل حالا، لتعذر تقديره، إذن، بأن، قوله: (ولا يتقدم معموله)، قيل: لأنه عند العمل مؤول بحرف مصدري مع الفعل، والحرف المصدري موصول، ومعمول المصدر في الحقيقة: معمول الفعل الذي هو صلة الحرف ومعمول الصلة لا يتقدم على الموصول، كما مر في باب الموصولات، قالوا وكذا لا يجوز الفصل بينه وبين معموله بأجنبي، نحو: أعجبني ضربك اليوم أمس زيدا، على أن أمس ظرف لأعجبني، لأن الفصل بين بعض الصلة وبعضها، لا يجوز، فقوله تعالى: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما) 1، بمعنى: صوموا أياما، وكذا لا يجوز حذف المصدر وإبقاء معموله، لأنه يكون كحذف، الموصول مع بعض الصلة وإبقاء البعض، إلا أن يدل دليل قوي عليه فيكون كالمذكور، كما مر في المفعول معه، هذا ما قالوا، وأنا لا أرى منعا من تقدم معموله عليه إذا كان ظرفا أو شبهه، نحو قولك: اللهم ارزقني من عدوك البراءة، وإليك الفرار، قال تعالى: (ولا تأخذكم بهما رأفة) 2، وقال: (فلما بلغ معه السعي) 3، وفي نهج البلاغة: (وقلت عنكم نبوته) 4، ومثله في كلامهم كثير، وتقدير الفعل في مثله تكلف، وليس كل مؤول بشئ: حكمه حكم ما أول به، فلا منع من تأويله بالحرف المصدري من جهة المعنى، مع أنه لا يلزمه أحكامه،