فأخبر القوم أميرهم عمر بن سعد، فقال للشمر: ماذا ترى يا شمر؟ فقال: إني ما أرى إلا رأيك أنت الأمير علينا فافعل ما تشاء، فقال: إني أحببت أن لا أكون أميرا فلم أترك وأكرهت ثم قال لأصحابه: ما ترون؟ قالوا له: أنت الأمير، فقال له عمرو ابن الحجاج الزبيدي: سبحان الله العظيم، والله لو كان هؤلاء من الترك والديلم ثم سألوكم هذه الليلة لقد كان ينبغي أن تجيبوهم إلى ذلك فكيف وهم آل الرسول محمد؟
فقال ابن سعد: أخبروهم إنا أجلناهم باقي يومنا هذا إلى غد، فإن استسلموا ونزلوا على الحكم وجهنا بهم إلى الأمير عبيد الله، وإن أبوا ناجزناهم.
فانصرف الفريقان وعاد كل إلى معسكره وجاء الليل فبات الحسين (عليه السلام) تلك الليلة راكعا ساجدا باكيا مستغفرا متضرعا، وبات أصحابه ولهم دوي كدوي النحل وجاء شمر بن ذي الجوشن في نصف الليل يتجسس ومعه جماعة من أصحابه حتى قارب معسكر الحسين فسمعه يتلو قوله تعالى: (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين * ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) الآية (1).
فصاح رجل من أصحاب شمر نحن ورب الكعبة الطيبون وأنتم الخبيثون وقد ميزنا منكم، فقطع برير بن حضير الهمداني صلاته ثم نادى: يا فاسق يا فاجر يا عدو الله يا بن البوال على عقبيه أمثلك يكون من الطيبين والحسين ابن رسول الله من الخبيثين، والله ما أنت إلا بهيمة لا تعقل ما تأتي وما تذر، فأبشر يا عدو الله بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم، فصاح شمر: إن الله قاتلك وقاتل صاحبك عن قريب.