فوقع على قدميه وقال: إذا ثكلت نافعا أمه، سيدي إن سيفي بألف وفرسي مثله، فوالله الذي من علي بك لا أفارقك حتى يكلا عن قري وجري.
ثم فارقني ودخل خيمة أخته، فوقفت إلى جنبها رجاء أن يسرع في خروجه منها، فاستقبلته ووضعت له متكئا وجلس يحدثها سرا، فما لبثت أن اختنقت بعبرتها وقالت: وا أخاه أشاهد مصرعك وأبتلي برعاية هذه المذاعير من النساء، والقوم كما تعلم ما هم عليه من الحقد القديم، ذلك خطب جسيم يعز علي مصرع هؤلاء الفتية الصفوة وأقمار بني هاشم.
ثم قالت: أخي هل استعلمت من أصحابك نياتهم فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنة.
فبكى (عليه السلام) وقال: أما والله لقد نهرتهم وبلوتهم وليس فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بلبن أمه.
فلما سمع نافع ذلك بكى رقة ورجع وجعل طريقه على منزل حبيب بن مظاهر، فرآه جالسا وبيده سيف مصلت، فسلم عليه وجلس على باب الخيمة، ثم قال له:
ما أخرجك يا نافع؟ فحكيت له ما كان، فقال: إي والله لولا انتظار أمره لعاجلتهم وعالجتهم هذه الليلة بسيفي، ثم قال نافع: يا حبيبي فارقت الحسين (عليه السلام) عند أخته وهي في حال وجل ورعب، وأظن أن النساء أفقن وشاركنها في الحسرة والزفرة، فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجهن بكلام يسكن قلوبهن ويذهب رعبهن؟ فلقد شاهدت منها ما لا قرار لي مع بقاءه. فقال له: طوع إرادتك.
فبرز حبيب ناحية ونافع إلى جانبه وانتدب أصحابه فتطالعوا من منازلهم، فلما اجتمعوا قال لبني هاشم: ارجعوا إلى منازلكم لا سهرت عيونكم، ثم خطب أصحابه وقال: