ممن أقبل معك، وأنا حابسهم أو رادهم، فقال له الحسين: لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي، إنما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنت أعطيتني ألا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب من ابن زياد، فقال: أجل، لكن لم يأتوا معك؛ قال: هم أصحابي، وهم بمنزلة من جاء معي، فإن تممت على ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك.
قال: فكف عنهم الحر؛ قال: ثم قال لهم الحسين: أخبروني خبر الناس وراءكم، فقال له مجمع بن عبد الله العائذي، وهو أحد النفر الأربعة الذين جاؤوه: أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم، وملئت غرائرهم، يستمال ودهم، ويستخلص به نصيحتهم، فهم إلب واحد عليك، وأما سائر الناس بعد، فإن أفئدتهم تهوي إليك، وسيوفهم غدا مشهورة عليك.
قال: أخبروني، فهل لكم [علم] برسولي إليكم؟ قالوا: من هو؟ قال: قيس بن مسهر الصيداوي؛ فقالوا: نعم، أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد، فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك، فصلى عليك وعلى أبيك، ولعن ابن زياد وأباه، ودعا إلى نصرتك، وأخبرهم بقدومك، فأمر به ابن زياد فألقي من طمار القصر؛ فترقرقت عينا الحسين (عليه السلام) ولم يملك دمعه، ثم قال: ﴿فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا﴾ (1). اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نزلا، واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك!
قال أبو مخنف: حدثني جميل بن مرثد من بني معن، عن الطرماح بن عدي، إنه دنا من الحسين فقال له: والله إني لأنظر فما أرى معك أحدا، ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازمتك لكان كفى بهم؛ وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم تر عيناي في صعيد واحد جمعا أكثر