أحرار في كتاباتهم للتأريخ، وكانوا يؤرخون ويكتبون حسب ما يريده الحكام منهم، ويخدم مصالحهم، إما رهبة، أو رغبة، أو طمعا، أو تعصبا لمذهب معين، أو غير ذلك.
إذن: فليس من الغريب أن نرى المؤرخ الذي يعتني بأمور تافهة فيسهب القول في وصف مجلس شراب، أو منادمة، حتى لا يفوته شيء منه، أو يتكلم عن أمجاد أشخاص لم يكن لهم شأن يذكر، بل قد لا يكون لهم وجود أصلا إلا في خياله، بينما نجده في نفس الوقت يهمل شخصيات لها مكانتها العلمية والاجتماعية، وخطرها التأريخي، أو يحاول تجاهل الأدوار التي سجلت هذه الشخصيات أحداثها، ويهمل أو يشوه أحداثا ذات أهمية تأريخية، تخص أشخاصا لا ينتمي إليهم سياسيا أو مذهبيا.
وفي طليعة تلك الأحداث التي كان لها نصيب من الإهمال والتجاهل، البيعة للإمام أبي الحسن علي الرضا (عليه السلام) بولاية العهد، من قبل الخليفة العباسي - عبد الله المأمون - وهذا الحدث لم يكن عاديا، كسائر الأحداث التي تجري في الساحة، بل كان من الأهمية بمكان، يمكن بموجبه تغيير مسير الحكم العباسي في التأريخ، وحجر الزاوية في قلب الأوضاع من الحكم العباسي إلى العلويين في التأريخ.
ولو أننا على يقين أن الحاكم العباسي في تصميمه وقرارة نفسه غير جاد في هذا الصدد، أراد بذلك الإجراء السياسي جعل ولاية العهد ورقة يساوم بها العباسيين لمبايعته بالخلافة بعد أن احتل بغداد وأزاح خصمه بقتل أخيه محمد الأمين من جهة، وإرضاء العلويين والتقرب إليهم وامتصاص ثوراتهم، وتهدئة الثائرين من شيعة آل محمد في جميع الأقطار التي تحت نفوذه، لا سيما المتواجدين في مرو ومنطقة خراسان وما وراء النهر.