هذا مصير بني الدنيا وإن جمعوا * فيها وغرهم طول التساويف أستغفر الله من جرمي ومن زللي * وأسأل الله نورا يوم توقيفي هذا ملخص ما نقلناه من كتاب الفتوح (1)، مع تغيير بعض العبارات.
وهذه رواية المسعودي في (مروج الذهب) في أخبار المأمون وغزاته أرض الروم، ما هذا ملخصه: وانصرف في غزاته فنزل على عين البديدون المعروفة بالقشيرة، فأقام هنالك، فوقف على العين فأعجبه برد مائها وصفاؤه وبياضه وطيب حسن الموضع، وكثرة الخضرة، فأمر بقطع خشب طوال، فبسط على العين كالجسر، وجعل فوقه كالأزج من الخشب، وورق الشجر، وجلس تحت الكنيسة التي قد عقدت له، والماء تحته، وطرح في الماء درهما صحيحا، فقرأ كتابته وهو في قرار الماء، لصفاء الماء، ولم يقدر أحد أن يدخل يده في الماء من شدة برده.
فبينا هو كذلك إذ لاحت سمكة نحو الذراع، كأنها سبيكة فضة، فجعل لمن يخرجها سيفه، فبدر بعض الفراشين، فأخذها وصعد، فلما صارت على حرف العين، أو على الخشب الذي عليه المأمون، اضطربت وأفلتت من يد الفراش، فوقعت في الماء كالحجر، فنضح من الماء على صدر المأمون ونحره، وترقوته، فبلت ثوبه، ثم انحدر الفراش ثانية، فأخذها ووضعها بين يدي المأمون، في منديل، تضطرب. فقال المأمون: تقلى الساعة.
ثم أخذته رعدة من ساعته، فلم يقدر أن يتحرك من مكانه، فغطي باللحف والدواويج وهو يرتعد كالسعفة، ويصيح: البرد البرد، ثم حول إلى المغرب ودثر،