عساكره وصار يريد بلاد الروم عن طريق طرسوس، ثم دخل المأمون بلاد الروم واحتلها حصنا بعد حصن.
وجاء الشتاء فرحل المأمون عن بلاد الروم حتى صار إلى دمشق فنزلها، فأقام بها أيام الشتاء ثم رحل عنها إلى الرقة.
وبلغ المأمون ما فعله كلب الروم نوفيل بالمسلمين، فاشتد غضبه وجمع عساكره وسار إلى أن نزل في موضع يقال له البندندون (أو البديدون) وهي قرية بينها وبين طرسوس من بلاد الثغر، على عين القشيرة وهي عين يخرج منها النهر المعروف بالبديدون، فمرض هناك، فأمر أن يكتب إلى عماله، فقال أخوه أبو إسحاق (المعتصم بالله) إلى الكاتب: اكتب " من عبد الله المأمون أمير المؤمنين، وأخيه أبي إسحاق الخليفة "، فقال الكاتب: إنك تعرضني لسفك دمي. فقال المعتصم: أحب منك ذلك.
فرافقه يومه وسأل الأطباء عنه، فقالوا: إنه لميت، فلما اشتد مرض المأمون صار يرفع طرفه إلى السماء ويقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من يزول ملكه!
يا من لا يموت ارحم من يموت! فلما كان في ليله استمسك لسانه، ومات من علته، وكانت وفاته لثلاث عشر ليلة بقيت من شهر رجب سنة ثماني عشر ومائتين، وهو يومئذ ابن ثمانية وأربعين عاما، وكان مولده سنة سبعين ومائة من الهجرة في شهر ربيع الأول، وكانت خلافته عشرين سنة وستة أشهر وسبعة عشر يوما، ودفن في طرسوس.
وقد أوصى أن يكتب على قبره هذه الأبيات:
الموت أخرجني من دار مملكتي * فالقبر مضطجعي من بعد تتريف لله عبد رأى قبري فأعبره * وخاف من بعده ريب التصاريف