الروم وكانت تطرز بالرومية وطرازها (أب وابن وروح القدس) فلم يزل كذلك في صدر الإسلام كله يمضي على ما كان عليه إلى أن ملك عبد الملك بن مروان فتنبه له وكان فطنا، فبينما هو ذات يوم إذ مر به قرطاس فنظر إلى طرازه فأمر أن يترجم إلى العربية ففعل ذلك فأنكره وقال: ما أغلظ هذا في أمر الدين والإسلام أن يكون طراز القراطيس وهي تحمل في الأواني والثياب وهما يعملان في مصر وغير ذلك مما يطرز من ستور وغيرها من عمل هذا البلد على سعته وكثرة ماله وقد طرزت بسطر مثبت عليها، فكتب إلى أخيه عبد العزيز بن مروان وكان عامله على مصر بإبطال ذلك الطراز وأن يأمر صناع القراطيس أن يطرزوها بسورة من القرآن وهي: (شهد الله أنه لا إله إلا هو)، وهذا طراز القراطيس خاصة إلى هذا الوقت لم ينقص ولم يزد ولم يتغير، وكتب إلى عماله في الآفاق بإبطال ما في أعمالهم من القراطيس المطرزة بطراز الروم ومعاقبة من وجد عنده بعد هذا النهي شئ منها بالضرب والحبس، فلما ثبتت القراطيس بالطرز الجديد وحمل إلى بلاد الروم وانتشر خبره ووصل إلى ملكهم وترجم له أنكره واستشاط غيظا، فكتب إلى عبد الملك أن عمل القراطيس بمصر وسائر ما يطرز هناك للروم ولم يزل يطرز بطراز الروم إلى أن أبطلته أنت، فإن كان من قبلك من الخلفاء أصاب فقد أخطأت أنت، وإن كنت قد أصبت فقد أخطأوا فاختر من هاتين أيهما شئت وأحببت، وبعث إليه مع الكتاب هدية ثمينة وطلب إليه رد الطراز إلى ما كان عليه فرد عليه عبد الملك كتابه وهديته فأرسل إليه ملك الروم ثانيا وثالثا وفي كل مرة يكتب إليه ويضاعف الهدية وعبد الملك يرفضها وأخيرا تهدده ملك الروم بأن ينقش على الدراهم والدنانير شتم النبي (صلى الله عليه وآله) ودار حوار بين الطرفين لم ينته إلى حل للأزمة وبقي ملك الروم على إصراره وكانت الدراهم والدنانير التي يتعامل بها المسلمون في جميع بلادهم من صنع الروم، فضاق بعبد الملك أمره واستشار حاشيته وأصحابه وذوي الرأي من المسلمين
(٢٢٧)