«... ثم لم أعلم القوم أمسوا من يومهم ذلك حتى ظهرت ندامتهم، ونكصوا على أعقابهم، وأحال بعضهم على بعض، كل يلوم نفسه ويلوم أصحابه، ثم لم تطل الأيام بالمستبد بالأمر ابن عفان حتى أكفروه وتبرأوا منه ومشى إلى أصحابه خاصة وسائر أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عامة يستقيلهم من بيعته ويتوب إلى الله من فلتته، فكانت هذه - يا أخا اليهود - أكبر من اختها وأفظع وأحرى أن لا يصبر عليها، فنالني منها الذي لا يبلغ وصفه ولا يحد وقته، ولم يكن عندي فيها إلا الصبر على ما أمض وأبلغ منها.
ولقد أتاني الباقون من الستة من يومهم كل راجع عما كان ركب مني يسألني خلع ابن عفان والوثوب عليه وأخذ حقي، ويؤتيني صفقته وبيعته على الموت تحت رايتي، أو يرد الله عزوجل علي حقي. فوالله - يا أخا اليهود - ما منعني منها إلا الذي منعني من اختيها قبلها، ورأيت الإبقاء على من بقي من الطائفة أبهج لي وآنس لقلبي من فنائها، وعلمت أني إن حملتها على دعوة الموت ركبته، فأما نفسي فقد علم من حضر ممن ترى ومن غاب من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الموت عندي بمنزلة الشربة الباردة في اليوم الشديد الحر من ذي العطش الصدى، ولقد كنت عاهدت الله عزوجل ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا وعمي حمزة وأخي جعفر، وابن عمي عبيدة على أمر وفينا به لله عزوجل ولرسوله، فتقدمني أصحابي وتخلفت بعدهم لما أراد الله عزوجل فأنزل الله فينا ﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا﴾ (1)