واشتعلت نار الحرب بين الفريقين أياما متوالية حتى كان اليوم الذي قتل فيه عمار بن ياسر، فاشتدت الحرب بعد مقتله، وزحف أصحاب علي، وظهروا على جند معاوية حتى ألصقوهم بعسكره، وأشرف علي على الفتح، فدعا معاوية بفرسه ونادى أهل الشام: الله الله في الحرمات والنساء والبنات، وقال معاوية (هلم مخبأتك يا ابن العاص فقد هلكنا) غير أن عمرو بن العاص عمد بما أوتيه من فنون الدهاء إلى تغيير الحال رأسا على عقب، وتحويل النصر إلى جانب معاوية، وإن ذكرى موقعة صفين لا تزال ترجف لا سمه هيبة، فبعد أن كادت الدائرة تدور عليه لم يثن ذلك من عزيمة عمرو، وسرعان ما ابتكر من ضروب الحيل ما أوقع بجند علي فانقسموا على أنفسهم، وغلبوا على أمرهم.
حيث قال عمرو (أيها الناس من كان معه مصحف فليرفعه على رمحه) فرفعوا المصاحف وقال قائلهم (هذا كتاب الله عز وجل بيننا وبينكم) فلما رأى أهل العراق المصاحف مرفوعة قالوا (نجيب إلى كتاب الله) وإنما رمى عمرو بحيلته هذه التي هدت عزائم الجحافل، وبددت آمال علي ما نرى إلى أمرين:
الأول: أن يكسر من حدة جند علي وحميتهم، وكانوا قاب قوسين أو أدنى من الانتصار.
الثاني: أن يفرق بينهم، ويفت في عضدهم فيكفوا عن قتالهم.
رغب أهل العراق في الموادعة، فنصح لهم علي أن يغيروا بقول أصحاب معاوية، لأنه ليس إلا خديعة، فأبوا وطلبوا منه أن يبعث إلى الأشتر ليترك القتال، فأرسل إليه فقال الأشتر للرسول (ليس هذه الساعة التي ينبغي أن تزيلني فيها عن موضعي، قد رجوت أن يفتح لي فيها فلا تعجلني) فرجع الرسول بالخبر فما انتهى إليه حتى ارتفع