تنبغي لمن لا يألو الناس شرا، واللين لمن لا يخلف الناس بالنصح، وقد فرشتهما جميعا اللين.
وقد أقبل عثمان على عمرو بن العاص يوما فقال: ما رأيك؟ (في الفتنة) قال: أرى أنك قد ركبت الناس بمثل بني أمية، فقلت وقالوا، وزغت وزاغوا، فاعتدل أو أعتزل، فإن أبيت فاعتزم عزما وأمض قدما.
فقال له عثمان: مالك قمل فروك، أهذا الجد منك؟ فسكت عمرو حتى تفرق الناس ثم قال: لا والله يا أمير المؤمنين لأنت أكرم على من ذلك، ولكني قد علمت أن بالباب قوما قد علموا أنك جمعتنا لنشير عليك، فأحببت أن يبلغهم قولي، فأقود لك خيرا أو أدفع عنك شرا.
وفي رواية للطبري أيضا قال: لما عزل عثمان عمرو بن العاص جعل يطعن عليه، فأرسل عثمان إليه يوما فخلا به فقال: يا ابن النابغة ما أكثر ما قمل جربان جبتك، إنما عهدك بالعمل عاما أول، أتطعن على، وتأتيني بوجه، وتذهب عني بوجه آخر؟ فقال عمرو: إن كثيرا مما يقول الناس وينقلون إلى ولاتهم باطل، فاتق الله يا أمير المؤمنين في رعيتك.
فقال عثمان: استعملتك على ظلعك وكثرة القالة فيك. فقال عمرو، قد كنت عاملا لعمر بن الخطاب، ففارقني وهو عني راض. فقال عثمان: لو أخذتك بما أخذك به عمر لاستقمت، ولكني لنت عليك فاجترأت، أما والله لأنا أعز منك نفرا في الجاهلية، وقبل أن آلي هذا السلطان. فقال عمرو، دع هذا فالحمد الله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وهدانا به، قد رأيت العاص بن وائل ورأيت أباك عفان، فوالله للعاص كان أشرف من أبيك. فقال عثمان: ما لنا ولذكر الجاهلية! فخرج عمرو من عنده وهو محتقد عليه، فلما كان حصر عثمان خرج من المدينة حتى انتهى إلى قصره بفلسطين، وبينما هو جالس في قصره ومعه ابناه محمد وعبد الله وسلامة بن روح الجذامي، إذ مر بهم راكب من المدينة فسأله عمرو عن عثمان فقال: قد تركته محصورا شديد الحصار، قال