إنما بعث محمدا صلى الله عليه وسلم هاديا ولم يبعثه جابيا، ولعمري لعمر أشقى من أن يدخل الناس كلهم في الإسلام على يديه).
ولكن نفس عمرو العالية، وعدم تعوده احتمال الضيم أو سماع المكروه أبى عليه ذلك، فكتب إلى أمير المؤمنين كتابا يرد عليه قوله ويبرئ فيه نفسه، ويظهر له أنه ذو نفس أبية، وأن ماضي تاريخ خير شاهد على صحة ما يقول، وإليك نص هذا الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم. لعبد الله أمير المؤمنين من عمرو بن العاص، سلام الله عليك. فأني أحمد الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين في الذي استبطأني فيه من الخراج، والذي ذكر فيه من عمل الفراعنة قبلي، وإعجابه من خراجها على أيديهم ونقص ذلك منذ كان الإسلام، ولعمري للخراج يومئذ أوفر وأكثر والأرض أعمر، ولأنهم كانوا على كفرهم وعتوهم أرغب في عمارة أرضهم منا منذ كان الإسلام، وذكرت أن النهر يخرج الدر فحلبته حلبا قطع درها، وأكثرت في كتابك وأنبت وعرضت وتربت (1) وعلمت أن ذلك عن شئ تخفيه على غير خبر، فجئت لعمري بالمفظعات المقذعات، ولقد كان لك فيه من الصواب من القول رصين صارم بليغ صادق، وقد عملنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن بعده فكنا سابق.
فبينما عمرو يقول إن المصريين استنظروه فأنظرهم، إذ الرسول يقول إن عمرا لا ينظر إلا لما يقع تحت عينه من مال، وفي هذا