ومما تقدم يعلم أن خليج تزاچان وأدريان هما بجملتهما خليج واحد، وهو خليج القاهرة، وكان ينتهي إلى البحيرات المرة، ثم مده (بطليموس) إلى السويس، وهذا الخليج لا يصلح للملاحة إلا في زمن ارتفاع النيل، وقد أهملته الروم حتى طم وردم بالأتربة في معظم مواضعه حتى احتفره عمرو ثانيا، واستعمله لنقل الميرة في المراكب إلى الحجاز، ولم يقل طول هذا الخليج عن ثمانين ميلا.
وكان سبب حفر هذا الخليج في عهد عمرو بن العاص على ما أخرجه السيوطي عن ابن عبد الحكم عن الليث بن سعد، أن الناس بالمدينة أصابهم جهد شديد في خلافة عمر عام الرمادة، فكتب إلى عمرو بن العاص وهو بمصر: من عبد الله أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص سلام عليك. أما بعد، فلعمري يا عمرو ما تبالي إذا شبعت أنت ومن معك أن أهلك أنا ومن معي. فيا غوثاه ثم غوثاه.
فكتب عمرو بن العاص: أما بعد فيا لبيك ثم يا لبيك قد بعثت إليك بعير أولها عندك وآخرها عندي والسلام عليك ورحمة الله... فبعث إليه بعير عظيمة فلما قدمت على عمر وسع بها على الناس، وكتب إلى عمرو بن العاص إن يقدم عليه هو وجماعة من أهل مصر معه، فقدموا عليه، فقال عمر: يا عمرو إن الله قد فتح على المسلمين مصر، وهي كثيرة الخير والطعام، وقد ألقى في روعي لما أحببت من الرفق بأهل الحرمين التوسعة عليهم حين فتح الله مصر، وجعلها قوة لهم، ولجميع المسلمين، أن أحفر خليجا من نيلها حتى يسيل في البحر فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكة، فإن حمله على الظهر يبعد، ولا نبلغ به ما نريد، فانطلق وأصحابك فتشاوروا في ذلك حتى يعتدل فيكم رأيكم. فانطلق عمرو فأخبر من كان معه من أهل مصر. فثقل ذلك