عليهم وقالوا: نتخوف أن يدخل من هذا ضرر على مصر، فنرى أن تعظم ذلك على أمير المؤمنين، وتقول له إن هذا أمر لا يعتدل ولا يكون، ولا تجد إليه سبيلا. فرجع عمرو بذلك إلى عمر فضحك عمر حين رآه وقال: والذي نفسي بيده لكأني أنظر إليك يا عمرو وإلى أصحابك حين أخبرتهم بما أمرت به من حفر الخليج فثقل ذلك عليهم وقالوا يدخل من هذا ضرر على أهل مصر، فنرى أن تعظم ذلك على أمير المؤمنين، وتقول له: هذا لا يعتدل ولا نجد إليه سبيلا. فعجب عمرو من قول عمر وقال: صدقت والله يا أمير المؤمنين. لقد كان الأمر على ما ذكرت.
فقال عمر: انطلق يا عمرو بعزيمة مني حتى تجد في ذلك، ولا يأتي عليك الحول حتى تفرغ منه أن شاء الله تعالى. أه.
ويخيل إلينا أن كل هذا إنما اخترع فيما بعد، وأن عمرا رأى آثار هذا الخليج القديم، فاحتفره وأصلحه تسهيلا للمواصلة بينه وبين المدينة.
فانصرف عمرو وجمع لذلك من الفعلة ما بلغ منه ما أراد، ثم احتفر الخليج الذي في حاشية الفسطاط الذي يقال له خليج أمير المؤمنين، فساقه من النيل إلى القلزم (السويس)، فلم يأت الحول حتى فرغ وجرت فيه السفن. فحمل فيه ما أراد من الطعام إلى المدينة ومكة، فنفع الله بذلك أهل الحرمين، وسمي (خليج أمير المؤمنين) ثم لم يزل يحمل فيه الطعام حتى حمل فيه عمر بن العزيز، ثم ضيعه الولاة بعد ذلك، فترك وغلب عليه الرمل، فانقطع وصار منتهاه إلى ذنب التمسلح من ناحية بطحا القلزم (1). أه.
وقد ذكر الكندي أن عمرا حفر الخليج في سنة ثلاث وعشرين (643 م) وفرغ منه في ستة أشهر.