ونحن نستبعد ذلك لأن الأبنية التي أقامها العرب هي من لبن دور واحد لا تحتاج إلى معماري أو هندسة. ودليلنا على ذلك ما سيرد في بناء جامع عمرو فإنه بنى بسقف منخفض بدون نوافذ وبدون فراغ في السقف حتى يتخلل الهواء داخله، وقد كان العرب يستظلون بفنائه وينتقلون بجوانبه تبعا للظل، وذلك من شدة الحر بداخله.
وكانت بيوت الصحابة في بادئ الأمر طبقة واحدة، وأول من ابتنى غرفة بالفسطاط خارجة بن حذافة، فبلغ عمر بن الخطاب أمرها وأنه أراد أن يطلع على عورات جيرانه فكتب إلى عمرو بن العاص يقول:
ادخل غرفة خارجة، وانصب فيها سريرا، وأقم عليه رجلا ليس بالطويل ولا بالقصير، فإن اطلع من كواها فاهدمها. ففعل ذلك عمرو، ولم يبلغ الكوى فأقرها.
بعد ذلك أخذت الدور تزداد في الاتساع والعلو شيئا فشيئا حتى صار ارتفاع أغلب الأرض خمس طبقات وستا وسبعا وثمانيا. وبعد أن كانت الدار تسكنها أسرة قليلة العدد أصبح يسكنها المائتان من الناس، وكانوا لا يسكنون في أسفل دورهم (الطابق الأرضي) لعدم جفافه وقلة وصول الشمس والضوء الكافية إليه. بل يجعلونه مخزنا لهم، وقلما تخلو دار من بئر وأحواض لخزن المياه العذبة وحمام وبركة (فسقية).
وكانت أبنيتهم على جانب عظيم من الترتيب والإبداع، وأسواقهم وشوارعهم واسعة وأبنيتهم شاهقة - كل ذلك بعد الفتح بزمن.
وإليك صور بعض الأبنية الباقية من مدينة الفسطاط أخذها حضرة محمد أفندي يوسف بالتصوير الشمسي خصيصا لهذه الرسالة، ومنها يظهر ما كانت عليه هذه المدينة.