الحادثة. أما من خصوص حريق مكتبة الإسكندرية المزعوم فإنه همجية وعداوة للمدينة منافية لأخلاق العرب على خط مستقيم، حتى إنه يمكن أن يسأل الإنسان نفسه: كيف أن قصة كهذه قبلها منذ زمن طويل كثيرون من الذين يعتد بعلمهم؟ وقد كذب العلماء هذه القصة في زمننا مرات كثيرة فلا نرى حاجة في العودة إليها لتكذيبها. ولا أسهل من الاستشهاد على ذلك بإيراد أقوال كثيرة جلية تثبت أن المسيحيين كانوا أعدموا الكتب الوثنية التي بالإسكندرية قبل العرب بزمن طويل، وكسروا كل التماثيل أيضا، ويفهم من ذلك أنه لم يكن بعد بالإسكندرية ما يحرق (ص 208).
وروى المقريزي في خططه (ج 1 ص 159): ويذكر أن هذا العمود (عمود السواري) من جملة أعمدة كانت تحمل رواق (أرسطو طاليس) الذي كان يدرس به الحكمة، وأنه كان دار علم، وفيه خزانة كتب أحرقها عمرو بن العاص بإشارة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. أه.
أما عبد اللطيف البغدادي الذي كان في الحقيقة أول من ذكر حريق العرب لمكتبة الإسكندرية فقد قال في كتاب (الإفادة والاعتبار):
ورأيت أيضا حول عمرد السواري من هذه الأعمدة بقايا صالحة.
بعضها صحيح، وبعضها مكسور، ويظهر من حالها أنها كانت مسقوفة، والأعمدة تحمل السقف وعمود السواري عليه قبة هو حاملها، وأرى أنه كان الرواق الذي يدرس فيه أرسطو طاليس وشيعته من بعده، وأنه دار العلم التي بناها الإسكندر حين بنى مدينته، وفيها كانت خزانة الكتب التي أحرقها عمرو بن العاص بأذن عمر رضي الله عنه (1).