العلوم الأجنبية في عقولهم كانوا (كما قيل) يحرقون الكتب التي يعثرون عليها في البلاد التي يفتتحونها: فيظهر من ذلك أن عبارة حاچي خليفة لا تفيد ما أرادوه: لأنه إنما يريد الإشارة إلى عدم اعتناء العرب بالعلم. ولكي يؤيد قوله ألمع إلى مسألة حريق الكتب، وهو لم يذكرها كأنها حقيقة.
أما عبد اللطيف البغدادي ذكر حريق المكتبة أثناء كلامه عن عمود السواري، وهذا نص عبارته (وقد سبق أن قدمناها) فيظهر من نص العبارة أنه ذكر مسألة المكتبة بطريق العرض، وكانت أشبه بخرافة تتداولها الألسنة فذكرها على علاقتها. على أن عبارته بجملتها غير صحيحة كما ثبت بالبحث.
ثم أعقب المؤلف هذا التنفيذ بالأدلة على عدم إمكان احتراق مكتبة الإسكندرية بأمر عمر بن الخطاب أو غيره من الخلفاء أو الأمراء المسلمين، وأثبت أنها أنما احترقت قبل الإسلام، أحرق نصفها (يوليوس) قيصر الرومان، وأتم على باقيها بطارقة الإسكندرية قبل الإسلام. أه. ومما يدلك على اختلاف رواية أبي الفرج (ومن تقدمه) ما ذكره (بطلر) إذا حلل هذه الرواية تحليلا لا يسع القارئ إلا أن يحكم ببراءة عمرو بن العاص مما نسب إليه والاعتراف بأن مكتبة الإسكندرية لا بد أن تكون قد فنيت قبل الفتح الإسلامي بمده طويله: فذكر نقلا عن (أميانوس مارسلينوس) أن السبعمائة ألف مجلد التي كانت تحتوي عليها مكتبة الإسكندرية قد أتلفت إتلافا تاما حين حوصر (يوليوس) قيصر الروم بالإسكندرية كما تقدم، وممن أيد هذا الرأي أورازيوس (1)